فوقية المكان أو فوقية الرتبة ، وقد بطل فوقية المكان لمعرفة التقديس لم يبق إلا فوقية الرتبة كما يقال: السيد فوق العبد ، والزوج فوق الزوجة ، والسلطان فوق الوزير ، فالله فوق عباده بهذا المعنى وهذا كالمقطوع به في لفظ الفوق وأنه لا يستعمل لسان العرب إلا في هذين المعنيين ، أما لفظ الاستواء إلى السماء وعلى العرش ربما لا ينحصر مفهومه في اللغة هذا الانحصار ، وإذا تردد بين ثلاثة معان معنيان جائزان على الله تعالى ومعنى واحد وهو الباطل ، فتنزيله على أحد المعنيين الجائزين أن يكون بالظن وبالاحتمال المجرد وهذا تمام النظر في الكف عن التأويل.
التصرف الثالث : الذي يجب الإمساك عنه التصريف ، ومعناه أنه إذا ورد قوله تعالى : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ). فلا ينبغي أن يقال مستو ويستوي ، لأن المعنى يجوز أن يختلف لأن دلالة قوله هو مستو على العرش على الاستقرار أظهر من قوله : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الرعد : ٢]. بل هو كقوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة : ٢٩]. فإن هذا يدل على استواء قد انقضى من إقبال على خلقه أو على تدبير المملكة بواسطته ، ففي تغيير التصاريف ما يوقع في تغيير الدلالات والاحتمالات ، فليجتنب التصريف كما يجتنب الزيادة فإن تحت التصرف الزيادة والنقصان.
التصرف الرابع : الذي يجب الإمساك عنه القياس والتفريغ مثل : أن يرد لفظ اليد فلا يجوز إثبات الساعد والعضد والكف مصيرا إلى أن هذا من لوازم اليد ، وإذا ورد الأصبع لم يجز ذكر الأنملة كما لا يجوز ذكر اللحم والعظم والعصب ، وإن كانت اليد المشهورة لا تنفكّ عنه وأبعد من هذه الزيادة إثبات الرجل عند ورود اليد ، وإثبات الفم عند ورود العين أو عند ورود الضحك ، وإثبات الأذن والعين عند ورود السمع والبصر ، وكل ذلك محال وكذب وزيادة ، وقد يتجاسر بعض الحمقى من المشبهة الحشوية فلذلك ذكرناه.
التصرف الخامس : لا يجمع بين متفرق ، ولقد بعد عن التوفيق من صنّف كتابا في جمع الأخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال : باب في إثبات الرأس وباب في اليد إلى غير ذلك ، وسماه : كتاب الصفات. فإن هذه كلمات متفرقة صدرت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أوقات متفرقة متباعدة اعتمادا على قرائن مختلفة تفهم السامعين معنا صحيحة ، فإذا ذكرت مجموعة على مثال خلق الإنسان صار جمع تلك المتفرقات في السمع دفعة واحدة عظيمة في تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه وصار الإشكال في أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لما نطق بما يوهم خلاف الحق أعظم في النفس وأوقع ، بل الكلمة الواحدة يتطرق إليها الاحتمال ، فإذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنس واحد صار متواليا يضعف الاحتمال بالإضافة إلى الجملة ، ولذلك يحصل من الظن بقول المخبرين وثلاثة ما لا يحصل بقول الواحد ، بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر ما لا يحصل بالآحاد ويحصل من وكل ذلك نتيجة الاجتماع إذ يتطرق الاحتمال إلى قول كل عدل وإلى كل واحدة من القرائن ، فإذا انقطع الاحتمال أو ضعف فلذلك لا يجوز جمع المفترقات.
التصرف السادس : التفريق بين المجتمعات فكما لا يجمع بين متفرقة فلا يفرق بين