الماضي والمستقبل أمور لا على طريق التعرف بالأسباب العقلية ، وهذا مما اتفق عليه الأوائل من الحكماء فضلا عن الأولياء والعلماء والراسخين القاصرين نظرهم على الاقتباس من حضرة النبوة المقربين بقصور كل قوة سوى هذه القوة.
الأصل الثاني : أنه صلىاللهعليهوسلم أفاض إلى الخلق ما أوحى إليه من صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ، وأنه ما كتم شيئا من الوحي وأخفاه وطواه عن الخلق فإنه لم يبعث إلا لذلك ، ولذلك كان رحمة للعالمين ، فلم يكن منهما فيه وعرف ذلك علما ضروريا من قرائن أحواله في حرصه على إصلاح الخلق وشغفه بإرشادهم إلى صلاح معاشهم ومعادهم ، فما ترك شيئا مما يقرب الخلق إلى الجنة ورضاء الخالق إلا دلهم عليه وأمرهم به وحثهم عليه ولا شيئا مما يقربهم إلى النار وإلى سخط الله إلا حذرهم منه ونهاهم عنه ، وذلك في العلم والعمل جميعا.
الأصل الثالث : أن أعرف الناس بمعاني كلامه وأحراهم بالوقوف على كنهه ودرك أسرار الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وعاصروه وصاحبوه ، بل لازموه آناء الليل والنهار متشمرين لفهم معاني كلامه وتلقيه بالقبول للعمل به أولا ، وللنقل إلى من بعدهم ثانيا ، وللتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بسماعه وفهمه وحفظه ونشره ، وهم الذين حثهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السماع والفهم والحفظ والأداء فقال : " نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها" الحديث. فليت شعري أيّتهم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بإخفائه وكتمانه عنهم حاشا منصب النبوة عن ذلك ، أو يتّهم أولئك الأكابر في فهم كلامه وإدراك مقاصده أو يتهمون في إخفائه وأسراره بعد الفهم أو يتهمون في معاندته من حيث العمل ومخالفته على سبيل المكابرة مع الاعتراف بتفهيمه وتكليفه. فهذه الأمور لا يتسع لتقديرها عقل عاقل.
الأصل الرابع : أنهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى البحث والتفتيش والتفسير والتأويل والتعرض لمثل هذه الأمور بل بالغوا في زجر من خاض فيه وسأل عنه وتكلم به على ما سنحكيه عنهم ، فلو كان ذلك من الدين أو كان من مدارك الأحكام وعلم الدين لأقبلوا عليه ليلا ونهارا ودعوا إليه أولادهم وأهليهم وتشمروا عن ساق الجد في تأسيس أصوله وشرح قوانينه تشمرا أبلغ من تشمرهم في تمهيد قواعد الفرائض والمواريث ، فنعلم بالقطع من هذه الأصول أن الحق ما قالوه والصواب ما رأوه ، لا سيما وقد أثنى عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : " خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم". وقال صلىاللهعليهوسلم : " ستفترق أمّتي نيّفا وسبعين فرقة النّاجية منهم واحدة". فقيل من هم؟ فقال : " أهل السّنّة والجماعة". فقال" ما أنا عليه الآن وأصحابي".
البرهان الثاني : هو التفصيلي. فتقول ادّعينا أن الحق هو مذهب السلف وأن مذهب السلف هو توظيف الوظائف السبع على عوام الخلق في ظواهر الأخبار المتشابهة ، وقد ذكرنا برهان كل وظيفة معها فهو برهان كونه حقا فمن يخالف؟ ليت شعري يخالف في قولنا الأول أنه يجب على العامي التقديس للحق عن التشبيه ومشابهة الأجسام ، أو في قولنا الثاني إنه يجب