صاحب بدعة رفع الله له مائة درجة ، ومن سلّم على صاحب بدعة أو لقيه بالبشر أو استقبله بما يسرّه فقد استخفّ بما أنزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم". وقال صلىاللهعليهوسلم : " إنّ الله لا يقبل لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا زكاة ولا حجّا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا ، ويخرج من الإسلام كما يخرج السّهم من الرّمية أو كما تخرج الشّعرة من العجين". فهذا وأمثاله مما يجاوز حد الحصر أفاد علما ضروريا بكون البدعة مذمومة.
فإن قيل : سلمنا أن البدعة مذمومة ، ولكن ما دليل الأصل الثاني وهو أن هذه بدعة ، فإن البدعة عبارة عن كل محدث ، قال الشافعي رضي الله عنه الجماعة في التراويح بدعة وهي بدعة حسنة ، وخوض الفقهاء في تفاريع الفقه ومناظرتهم فيها مع ما أبدعوه من نقص وكسر وفساد وضع وتركيب ونحوه من فنون مجادلة والزام كل ذلك مبدع لم يؤثر عن الصحابة شيء من ذلك فدل على أن البدعة المذمومة ما رفعت سنة مأثورة ، ولا نسلم أن هذا رافع لسنة ثابتة لكنه محدث خاض فيه الألوان إما لاشتغالهم لما هو أهم منه وإما لسلامة القلوب في العصر الأول عن الشكوك والترددات فاستغنوا لذلك وخاض فيه من بعدهم لمسيس الحاجة ، حيث حدثت الأهواء والبدع إلى إبطالها وإفحام منتحلها؟
الجواب : أما ما ذكرتموه من أن البدعة المذمومة ما رفعت سنة قديمة هو الحق وهذا بدعة رفعت سنة قديمة. إذ كان سنّة الصحابة المنع من الخوض فيه ، وزجر من سأل عنه ، والمبالغة في تأديبه ومنعه بفتح باب السؤال عن هذه المسائل ، والخوض بالعوام في غمرة هذه المشكلات على خلاف ما تواتر عنهم ، وقد صح ذلك عن الصحابة بتواتر النقل عند التابعين من نقلة الآثار ، وسير السلف حجة لا يتطرق إليها ريب ولا شك كما تواتر خوضهم في مسائل الفرائض ومشاورتهم في الوقائع الفقهية وحصل العلم به أيضا بأخبار آحاد لا يتطرق الشك إلى مجموعها ، كما نقل عن عمر رضي الله عنه أنه سأل سائل عن آيتين متشابهتين فعلاه بالدرة ، وكما روي أنه سأله سائل عن القرآن أهو مخلوق أم لا ، فتعجب عمر من قوله فأخذ بيده حتى جاء به إلى علي رضي الله عنه ، فقال : يا أبا الحسن استمع ما يقول هذا الرجل. قال : وما يقول يا أمير المؤمنين؟ فقال الرجل : سألته عن القرآن أمخلوق هو أم لا؟ فوجم لها رضي الله عنه وطأطأ رأسه ، ثم رفع رأسه وقال : سيكون لكلام هذا نبأ في آخر الزمان ولو وليت من أمره ما وليت لضربت عنقه.
وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث عن أبي هريرة ، فهذا قول علي بحضور عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم ولم يقولا له ولا أحد ممن بلغه ذلك من الصحابة ، ولا عرف علي رضي الله عنه في نفسه أن هذا سؤال عن مسألة دينية وتعرف لحكم كلام الله تعالى وطلب معرفة لصفة القرآن الذي هو معجزة دالة على صدق الرسول ، بل هو الدليل المعرف لأحكام التكليف ، فلم يستوجب طالب المعرفة هذا التشديد ، فانظر إلى فراسة علي وإشرافه على أن ذلك قرع لباب الفتنة ، وأن ذلك سينتشر في آخر الزمان الذي هو موسم الفتن ومطيتها بوعد