وهذا مما أورد في الأخبار التي وردت في إثبات الصورة لله تعالى حيث قال : " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، وليس المراد به صورة دحية الكلبي وفي غيرها من الصور ، حتى أنه رآه مرارا كثيرة وما رآه في صورته الحقيقية إلا مرة أو مرتين ، وتمثل جبريل في صورة دحية الكلبي ليس بمعنى أنه انقلب ذات جبريل صورة دحية الكلبي ، بل إنه ظهرت تلك الصورة للرسول مثالا مؤديا عن جبريل ما أوحى إليه ، وكذلك قوله تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧]. وإذا لم يكن ذلك استحالة في ذات الملك وانقلابا ، بل يبقى جبريل على حقيقته وصفته ، وإن ظهر النبي في صورة دحية الحلبي فلا يستحيل مثل ذلك في حق الله تعالى في يقظة ولا في منام ، فهذا ما يدل من جهة الخبر على جواز إطلاقه ، وقد ورد عن السلف إطلاق ذلك ونقلت فيه آثار وأخبار ، ولو لم يرد فيه إطلاق لكنا نقول : يجوز إطلاق كل لفظة في حق الله تعالى صادقة لا منع منه ولا تحريم إذا كان لا يوهم الخطأ عند المستمع ، وهذا لا يوهم رؤية الذات عند الأكثرين لكثرة تداول الألسنة له فإن معناه كما يجوز أن تقول : إنّا نحب الله تعالى أو نشتاق إليه ونريد لقاءه ، وقد سبق إلى فهم قوم من هذه الإطلاقات خيالات فاسدة والأكثرون يفهمون معناه على وجهه من غير خيال فاسد ، ويراعى في هذه الإطلاقات حال خيال المخاطب فيجوز الإطلاق من غير كشف ولا تفسير حيث لا إبهام ، ويجب الكشف عند الإبهام. وعلى الجملة هذا يرد الخلاف إلى إطلاق اللفظ وجوازه بعد حصول الاتفاق على لفظ المعنى من أن ذات الله تعالى مرئية ، وأن المرئي مثال ، وظن من ظن استحالة المثال في حق الله تعالى خطأ ، بل نضرب لله تعالى ولصفاته الأمثال وننزهه عن المثل ولا ننزهه عن المثال وله المثل الأعلى.
فصل في الكلام على الفرق بين الواحد والأحد ومعنى
الصمد
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١]. فرق بين الواحد والأحد ، قال الله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣]. فيقال الإنسان شخص واحد وصنف واحد ، والمراد به أنه جملة هي جملة واحدة ، ويقال ألف واحد ، فالواحد المشار إليه من طريق العقل والحس هو الذي يمتنع مفهومه عن وقوع الشركة فيه ، والأحد هو الذي لا تركيب فيه ولا جزء له بوجه من الوجوه ، فالواحد نفي الشريك والمثل ، والأحد نفي الكثرة في ذاته وقوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ٢]. الصمد الغني المحتاج إليه غيره وهذا دليل على أن الله تعالى إحدى الذات وواحد ، لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان صمدا غنيا يحتاج إليه غيره ، بل كان هو أيضا يحتاج إلى شريكه في المشاركة أو التثنية ، ولو كان له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره ، بل هو محتاج في قوامه ووجوده إلى أجزاء تركيبه وحده ، فالصمدية دليل على الواحدية والأحدية ، (لَمْ يَلِدْ) دليل على أن وجوده المستمر ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد والتناسل ، بل هو وجوده مستمر أزلي وأبدي ولم يولد دليل على أن وجود