عن الاستعانة به ، وتصميم العزم على أن لا يستخدمه أصلا ، ثم إن العبد إن ضيع المركوب وأهلكه وأنفق المال لا في زاد الطريق كان كافرا للنعمة ، وإن ركب المركوب وأنفق المال في الطريق متزودا به كان شاكرا للنعمة لا بمعنى أنه أنال الملك حظا ، فإنه لم يرد في الإنعام عليه وفي تكلفه الحضور حظا لنفسه ولكن أراد سعادة العبد ، فإنه وافق مراد السيد فقبه كان شاكرا وإن خالف عدت مخالفته كفرانا ، والله تعالى يستوي عنده كفر الكافرين وإيمانهم بالإضافة إلى جلاله واستغنائه ، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر ، فإنه لا يصلح لعباده فإنه يشقيهم ، كما لا يرضى الطبيب هلاك المرضى ويعالجهم ، ولا يرضى الملك المستغني عن عبده لعبده الشقاوة بالبعد عنه ويريد له السعادة بالقرب منه وهو غني عنه قرب أو بعد ، فهكذا ينبغي أن يفهم أمر التكليف فإن الطاعات أدوية والمعاصي سموم وتأثيرها في القلوب ، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم ، كما لا تسعد الصحة إلا من أتى بمزاج معتدل ، وكما يصح قول الطبيب للمريض قد عرفتك ما يضرك وما ينفعك ، فإن وافقتني فلنفسك وإن خالفت فعليها ، كذلك قال الله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [الإسراء : ١٥]. وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت : ٤٦ ، الجاثية : ١٥]. وأما العقاب على ترك الأمر وارتكاب النهي فليس العقاب من الله تعالى غضبا وانتقاما. ومثال ذلك أن من غادر الوقاع عاقبه الله تعالى بعدم الولد ، ومن ترك إرضاع الطفل عاقبه بهلاك الولد ، ومن ترك الأكل والشرب عاقبة بالجوع والعطش ، ومن ترك تناول الأدوية عاقبة بألم المرض وغضب الله تعالى على عبادة غير إرادته الإيلام ، كما إن الأسباب والمسببات يتأدى بعضها إلى بعض في الدنيا بترتيب مسبب الأسباب فبعضها يفضي إلى الآلام وبعضها إلى اللذات ولا يعرف عواقبها إلا الأنبياء ، فكذلك نسبة الطاعات والمعاصي إلى آلام الآخرة ولذاتها من غير فرق ، فالسؤال عن أنه لم تفض المعصية إلى العقاب كالسؤال في أنه لم يهلك الحيوان عن السم ، ولم يؤد السم إلى الهلاك ، ولم يخلق جسد الإنسان على وجه يفعل فيه السم أثرا وينفعل البدن عنه وهو لا ينفعل عن البدن ، فكذلك الكلام في أنه لما خلق الله تعالى نفس الإنسان على وجه تكملها وتنجيها الفضائل وتهلكها الرذائل ، هذا والله تعالى غير عاجز عن الإشباع من غير أكل والإدواء من غير شرب ، والإنشاء من غير مصاحبة وقاع ، والإنماء من غير رضاع ، ولكنه قد رتب الأسباب والمسببات ، ولذلك سر وحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى والراسخون في العلم ، وليس هذا بعجب ، وإنما العجب من هذا التدبير المحكم والنظام المتقن ، ولعمري أن من لا يهتدي إلى سر الحكمة فيه يتعجب منه لقصور هدايته ، ولو كان كذلك لضاع حظ النبات والحيوانات التي هي ألطف الحيوانات وأقربها إلى الاعتدال مثل العنم والنعاج والقباج والدجاج وغيرها ، وكمال النبات أن يصير غذاء لما هو أعلى منه بالرتبة وهو الحيوان ، ولذلك يقوم بدل ما يحلل منه فيصير جزء منه متشبها به وهذا كماله ، وكذلك نسبة الحيوانات