مثال وأنموذج من ذلك الوصف الخاص ، وكذلك الاسم للوصف الخاص الذي له تعالى لأن الإنسان إنما يسمي الشيء بعد معرفته إياه ، وإذا لم يكن للإنسان إليه طريق وأنموذج فلا علم له به ولا اسم له عنده ولا علامة. فكيف يعرفه؟ فلذلك لا يعرف الله إلا الله. وأعني أخص وصفه وكنه معرفته فمن قال : إن الإنسان حي عالم قادر سميع بصير متكلم والله تعالى كذلك لا يكون هذا القائل مشبها ، فإن التشبيه إثبات المشاركة في الوصف الأخص ، ومن قال : إن السواد عرض موجود وهو لون ، والبياض عرض موجود وهو لون لا يكون مشبها السواد بالبياض ، فإن الاشتراك في اللونية والعرضية والوجودية لا يكون تشبيها بينهما ، ولذلك لا تماثل بين السواد والبياض مع اشتراكهما في اللونية والعرضية الوجدية ، فالمثال في حق الله سائغ جائز والمثل مستحيل ، فإنا نقول : الله تعالى مدبر متصرف في العالم وليس في العالم مثال ذلك أن إصبع الإنسان يتحرك ويحركه علمه وإرادته وليس فيها العلم والإرادة فيقع التفهيم بسبب ذلك وتصور الضعيف أنه كيف يكون مدبرا فاعلا في شيء غير مجاور له ولا حال فيه.
فصل في تكليف الله تعالى عباده
تكليف الله تعالى عبادة لا يضاهي تكليف الإنسان عبده الأعمال التي يرتبط بها غرضه وما لا حظ له فيه وما لا يحتاج إليه فلا يكلفه به ، وتكليف الله تعالى عباده يجري مجرى تكليف الطبيب المريض ، فإذا غلبت عليه الحرارة أمره بشرب المبردات والطبيب غني عن شربه لا يضره مخالفته ولا ينفعه موافقه ، ولكن الضرر والنفع يرجعان إلى المريض وإنما الطبيب هاد ومرشد فقط ، فإن وفق المريض حتى وافق الطبيب شفي وتخلص ، وإن لم يوفق فخالفه تمادى به المرض وهلك ، وبقاؤه وهلاكه عند الطبيب سيان ، فإنه مستغن عن بقائه وفنائه ، فكما أن الله تعالى خلق للشفاء سببا مفضيا إليه كذلك خلق للسعادة سببا وهو الطاعات ، ونهى النفس عن الهوى بالمجاهدة المزكية لها عن رذائل الأخلاق منجيات ورذائل في الآخرة مهلكات. كما أن رذائل الأخلاق ممرضات في الدنيا ومهلكات والمعاصي بالإضافة إلى حياة الآخرة كالسموم بالإضافة إلى حياة الدنيا وللنفوس طب كما أن للأجساد طبا والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطباء النفوس يرشدون الخلق إلى طريق الفلاح بتمهيد الطريق المزكية للقلوب ، كما قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٩ و ١٠]. ثم يقال : إن الطبيب أمره بكذا ونهاه عن كذا ، وأنه زاد مرضه لأنه خالف الطبيب ، وأنه صح لأنه راعى قانون الطبيب ولم يقصر في الاحتماء ، وبالحقيقة لم يتماد مرض المريض بمخالفة الطبيب لعين المخالفة ، بل لأنه سلك غير طريق الصحة التي أمره الطبيب بها ، فكذلك التقوى هي الاحتماء الذي ينفي عن القلوب أمراضها وأمراض القلوب تفوت حياة الآخرة كما تفوت أمراض الأجساد حياة الدنيا ، والمثال الآخر أن ملكا من ملوك الناس يمد بعض عبيده الغائب عن مجلسه بمال ومركوب ليتوجه تلقاءه لينال رتبة القرب منه ، ويسعد بسببه مع استغناء الملك