منامه ، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام يرون ذلك في اليقظة وتخاطبهم هذه الأشياء في اليقظة ، فإن المتيقظ لا يميز بين أن يكون ذلك نطقا خياليا أو نطقا حسيا من خارج ، والنائم إنما يعرف ذلك بسبب انتباهه والتفرقة بين النوم واليقظة ، ومن كانت له ولاية تامة تفيض تلك الولاية أشعتها على خيالات الحاضرين حتى أنهم يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه ، والتمثل الخيالي أشهر هذه الأقسام والإيمان بهذه الأقسام كلها وأجمعها واجب.
فصل في الشفاعة
وأما شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء ، فالشفاعة عبارة عن نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة ينشر منها إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر بالصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم ومثاله نور الشمس إذا وقع على الماء فإنه ينعكس منه إلى موضع مخصوص من الحائط لا إلى جميع المواضع ، وإنما اختص ذلك الموضع لمناسبة بينه وبين الماء في الموضع وتلك المناسبة مسلوبة على سائر أجزاء الحائط ، وذلك الموضع هو الذي إذا خرج منه خط إلى موضع النور من الماء حصلت منه زاوية إلى الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس بحيث لا يكون أوسع منه ولا أضيق. مثال ذلك لائح وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار ، فكما إن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور فالمناسبات المعنوية العقلية أيضا تقتضي ذلك في الجواهر المعنوية ، ومن استوى عليه التوحيد فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية فأشرق عليه النور من غير واسطة ، ومن استولت عليه السنن والاقتداء بالرسول ومحبة أتباعه ولم ترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة ، فافتقر إلى واسطة الماء المكشوف للشمس إلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا ، فالوزير الممكن في قلب الملك المخصوص بالعناية قد يغضي الملك عن هفوات أصحاب الوزير يعفو عنهم لا لمناسبة بين الملك وأصحاب الوزير ، لكن لأنهم يناسبون الوزير المناسب للملك ، ففاضت العناية عليهم بواسطة الوزير لا بأنفسهم ، ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلا ، لأن الملك لا يعرف أصحاب الوزير واختصاصهم به إلا بتعريف الوزير وإظهار الرغبة في العفو عنهم فيسمى لفظه في التعريف وإظهاره الرغبة في العفو عنهم فيسمى لفظه في العريف إظهار شفاعة على سبيل المجاز ، وإنما الشفيع مكانته عند الملك وإنما اللفظ لإظهار الغرض والله مستغن عن التعريف ، ولو عرف الملك حقيقة اختصاصه بالوزير لاستغنى عن اللفظ وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام ، والله تعالى عالم به ، فلو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام في التلفظ بما هو معلوم عند الله تعالى لكانت ألفاظهم ألفاظ الشفعاء ، وإذا أراد الله تعالى أن يمثل حقيقة الشفاعة بمثال يدخل في الحس والخيال لم يكن ذلك التمثيل إلا بألفاظ مألوفة بالشفاعة ويدل على ذلك انعكاس النور بطريق المناسبة ، وإن جميع ما ورد في الأخبار عن استحقاق الشفاعة