صلاة الضحى أربعا أو ستّا أو ثمانيا مثنى ، فقد نقلت هذه الأعداد كلها عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
والصلاة خير كلها ، فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل ، فليس بين طلوع الشمس والزوال راتبة من الصلاة إلا هذه ؛ فما فضل عنها من أوقاتك فلك فيه أربع حالات :
الحالة الأولى : وهي الأفضل ، أن تصرفه في طلب العلم النافع في الدين دون الفضول الذي أكب الناس عليه وسموه علما. والعلم النافع هو ما يزيد في خوفك من الله تعالى ، ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك ، ويزيد في معرفتك بعبادة ربك ، ويقلل من رغبتك في الدنيا ، ويزيد في رغبتك في الآخرة ، ويفتح بصيرتك بآفات أعمالك حتى تحترز منها ، ويطلعك على مكايد الشيطان وغروره ، وكيفية تلبيسه على علماء السوء حتى عرضهم لمقت الله تعالى وسخطه ، حيث اشتروا الدنيا بالدين ، واتخذوا العلم ذريعة ووسيلة إلى أخذ أموال السلاطين وأكل أموال الأوقاف واليتامى والمساكين ، وصرف همتهم طول نهارهم إلى طلب الجاه والمنزلة في قلوب الخلق ، واضطرهم ذلك إلى المراءاة والمماراة ، والمناقشة في الكلام والمباهاة. وهذا الفن من العلم النافع قد جمعناه في كتاب إحياء علوم الدين ، فإن كنت من أهله فحصله واعمل به ، ثم علمه وادع إليه ؛ فمن علم ذلك وعمل به ثم علمه ودعا إليه ، فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماوات بشهادة عيسىعليهالسلام.
فإذا فرغت من ذلك كله ، وفرغت من إصلاح نفسك ظاهرا وباطنا ، وفضل شيء من أوقاتك ، فلا بأس أن تشتغل بعلم المذهب في الفقه لتعرف به الفروع النادرة في العبادات ، وطريق التوسط بين الخلق في الخصومات عند انكبابهم على الشهوات ، فذلك أيضا بعد الفراغ من هذه المهمات من جملة فروض الكفايات. فإن دعتك نفسك إلى ترك ما ذكرناه من الأوراد والأذكار استثقالا لذلك ، فاعلم أن الشيطان اللعين قد دسّ في قلبك الداء الدفين ، وهو حب المال والجاه ، فإياك أن تغتر به فتكون ضحكة له فيهلكك ثم يسخر منك. فإن جبرت نفسك مدة في الأوراد والعبادات فكنت لا تستثقلها كسلا عنها ، لكن ظهرت رغبتك في تحصيل العلم النافع ولم ترد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة ، فذلك أفضل من نوافل العبادات مهما صحت النية ؛ ولكن الشأن في صحة النية ، فإن لم تصح فهو معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال.
الحالة الثانية : أن لا تقدر على تحصيل العلم النافع في الدين ، لكن تشتغل بوظائف العبادات من الذكر والتسبيح والقراءة والصلاة ، فذلك من درجات العابدين وسير الصالحين ، وتكون أيضا بذلك من الفائزين.
الحالة الثالثة : أن تشتغل بما يصل منه خير إلى المسلمين ، ويدخل به سرور على قلوب المؤمنين ، أو يتيسر به الأعمال الصالحة للصالحين ، كخدمة الفقهاء والصوفية وأهل الدين ، والتردد في أشغالهم والسعي في إطعام الفقراء والمساكين ، والتردد مثلا على المرضى بالعيادة وعلى الجنائز بالتشييع ؛ فكل ذلك أفضل من النوافل ، فإن هذه عبادات وفيها رفق للمسلمين.