الحالة الرابعة : إن لم تقو على ذلك فاشتغل بحاجاتك اكتسابا على نفسك أو على عيالك ، وقد سلم منك المسلمون وأمنوا من لسانك ويدك ، وسلم لك دينك إذا لم ترتكب معصية ، فتنال بذلك درجة أصحاب اليمين إن لم تكن من أهل الترقي إلى مقامات السابقين ؛ فهذا أقل الدرجات في مقامات الدين ، وما بعد هذا فهو مراتع الشياطين ، وذلك بأن تشتغل والعياذ بالله بما يهدم دينك ، أو تؤذي عبدا من عباد الله تعالى ، فهذه رتبة الهالكين ؛ فإياك أن تكون في هذه الطبقة.
واعلم أن العبد في حق دينه على ثلاث درجات : إما سالم ، وهو المقتصر على أداء الفرائض وترك المعاصي. أو رابح ، وهو المتطوع بالقربات والنوافل. أو خاسر ، وهو المقصر على اللوازم ، فإن لم تقدر أن تكون رابحا فاجتهد أن تكون سالما ، وإياك ثم إياك أن تكون خاسرا.
والعبد في حق سائر العباد له ثلاث درجات : الأولى : أن ينزل في حقهم منزلة الكرام البررة من الملائكة ، وهو أن يسعى في أغراضهم رفقا بهم وإدخالا للسرور على قلوبهم. الثانية : أن ينزل في حقهم منزلة البهائم والجمادات ، فلا ينالهم خيره ولكن يكف عنهم شره. الثالثة : أن ينزل في حقهم منزلة العقارب والحيات والسباع الضاريات ، لا يرجى خيره ويتقى شره. فإن لم تقدر على أن تلتحق بأفق الملائكة فاحذر أن تنزل عن درجة البهائم والجمادات إلى مراتب العقارب والحيات والسباع الضاريات ، فإن رضيت لنفسك النزول من أعلى عليين فلا ترض لها بالهوى إلى أسفل سافلين ، فلعلك تنجو كفافا لا لك ولا عليك. فعليك في بياض نهارك أن لا تشتغل إلا بما ينفعك في معادك أو معاشك الذي لا تستغني عنه وعن الاستعانة به على معادك ، فإن عجزت عن القيام بحق دينك مع مخالطة الناس وكنت لا تسلم ، فالعزلة أولى لك ، فعليك بها ففيها النجاة والسلامة. فإن كانت الوساوس في العزلة تجاذبك إلى ما لا يرضي الله تعالى ولم تقدر على قمعها بوظائف العبادات ، فعليك بالنوم فهو أحسن أحوالك وأحوالنا ، إذا عجزنا عن الغنيمة رضينا بالسلامة في الهزيمة. فأخسّ بحال من سلامة دينه في تعطيل حياته ، إذ النوم أخو الموت ، وهو تعطيل الحياة والتحاق بالجمادات.
آداب الاستعداد لسائر الصلوات
ينبغي أن تستعد لصلاة الظهر قبل الزوال ، فتقدم القيلولة إن كان لك قيام في الليل أو سهر في الخير ، فإن فيها معونة على قيام الليل ، كما أن في السحور معونة على صيام النهار ، والقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام بالنهار. واجتهد أن تستيقظ قبل الزوال ، وتتوضأ ، وتحضر المسجد ، وتصلي تحية المسجد ، وتنتظر المؤذن فتجيبه ، ثم تقوم فتصلي أربع ركعات عقب الزوال ، كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يطولهن ويقول : «هذا وقت تفتح فيه أبواب السّماء ، فأحبّ أن يرفع لي فيه عمل صالح» وهذه الأربع قبل الظهر سنة مؤكدة ، ففي الخبر أن من صلاهن فأحسن ركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له إلى