الصداقة بألسنتهم. فأقلل من المعارف ما قدرت ، فإذا بليت بهم في مدرسة أو مسجد او جامع أو سوق أو بلد ، فيجب أن لا تستصغر منهم أحدا ، فإنك لا تدري لعله خير منك ، ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم فتهلك ، لأن الدنيا صغيرة عند الله تعالى صغير ما فيها ، ومهما عظم أهل الدنيا في قلبك فقد سقطت من عين الله تعالى. وإياك أن تبذل دينك لتنال به من دنياهم ، فلا يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم ، ثم حرم ما عندهم. وإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة ، فإنك لا تطيق الصبر على مكافأتهم ، فيذهب دينك في عداوتهم ، ويطول عناؤك معهم. ولا تسكن إليهم في حال إكرامهم إياك ، وثنائهم عليك في وجهك ، وإظهارهم المودة لك ، فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة واحدا ، ولا تطمع أن يكون لك في السر والعلن واحد. ولا تتعجب إن ثلبوك في غيبتك ولا تغضب منهم ، فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك مثل ذلك حتى في أصدقائك وأقاربك ، بل في أستاذك ووالديك ، فإنك تذكرهم في الغيبة بما لا تشافههم به. فاقطع طمعك عن مالهم وجاههم ومعونتهم ؛ فإن الطامع في الأكثر خائب في المآل ، وهو ذليل لا محالة في الحال. وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله تعالى واشكره ، وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فيصير عداوة له ؛ وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ، ولا تكن كالمنافق يطلب العيوب ، وقل لعله قصر لعذر له لم أطلع عليه. ولا تعظن أحدا منهم ما لم تتوسم فيه أولا مخايل القبول ، وإلا لم يستمع منك وصار خصما عليك ، فإذا أخطؤوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم ، فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداء ؛ إلا إذا تعلق ذلك بمعصية يقارفونها عن جهل منهم ، فاذكر الحق بلطف من غير عنف ، وإذا رأيت منهم كرامة وخيرا فاشكر الله الذي حببك إليهم ، وإذا رأيت منهم شرّا فكلهم إلى الله تعالى ، واستعذ بالله من شرهم ، ولا تعاتبهم ، ولا تقل لهم : لم لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم؟ فإن ذلك من كلام الحمقى ؛ وأشد الناس حماقة من يزكي نفسه ويثني عليها. واعلم أن الله تعالى لا يسلطهم عليك إلا لذنب سبق منك ، واستغفر الله من ذنبك واعلم أن ذلك عقوبة من الله تعالى. وكن فيما بينهم سميعا لحقهم ، أصم عن باطلهم ، نطوقا بمحاسنهم ، صموتا عن مساويهم واحذر مخالطة متفقهة الزمان ، لا سيما المشتغلين بالخلاف والجدال ، واحذر منهم ، فإنهم يتربصون بك بحسدهم ريب المنون ، ويقطعون عليك بالظنون ، ويتغامزون وراءك بالعيون ، ويحصون عليك عثراتك في عشيرتهم حتى يجبهوك بها في حال غيظهم ومناظرتهم. لا يقيلون لك عثرة ، ولا يغفرون لك زلة ، ولا يسترون عليك عورة. يحاسبونك على النقير والقطمير ، ويحسدونك على القليل والكثير ، ويحرضون عليك الإخوان بالنميمة والبلاغات والبهتان. إن رضوا فظاهرهم الملق ، وإن سخطوا فباطنهم الحنق. ظاهرهم ثياب ، وباطنهم ذئاب ، هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم إلا من عصمه الله تعالى ؛ فصحبتهم خسران ، ومعاشرتهم خذلان.