أن الإخوة ثلاثة : أخ لآخرتك ، فلا تراع فيه إلا الدين. وأخ لدنياك ، فلا تراع فيه إلا الخلق الحسن. وأخ لتأنس به ، فلا تراع فيه إلا السلامة من شره وفتنته وخبثه.
والناس ثلاثة : أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه. والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت. والثالث مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط ولكن العبد قد يبتلى به ، وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع ، فتجب مداراته إلى الخلاص منه ، وفي مشاهدته فائدة عظيمة إن وفقت لها ، وهو أن تشاهد من خبائث أحواله وأفعاله ما تستقبحه فتجتنبه ؛ فالسعيد من وعظ بغيره ، والمؤمن مرآة المؤمن ، وقيل لعيسى عليهالسلام : من أدبك؟ فقال : ما أدبني أحد ولكن رأيت جهل الجاهل فاجتنبته. ولقد صدق على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن المؤدبين.
الوظيفة الثانية : مراعاة حقوق الصحبة ؛ فمهما انعقدت الشركة ، وانتظمت بينك وبين شريكك الصحبة ، فعليك حقوق يوجبها عقد الصحبة وفي القيام بها آداب ؛ وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى» ودخل صلىاللهعليهوسلم أجمة فاجتنى منها سواكين : أحدهما معوج والآخر مستقيم ، وكان معه بعض أصحابه ، فأعطاه المستقيم وأمسك لنفسه المعوج فقال : يا رسول الله ، أنت أحق مني بالمستقيم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلّا ويسأل عن صحبته هل أقام فيها حقّ الله تعالى أو أضاعه» وقال صلىاللهعليهوسلم : «ما اصطحب اثنان قطّ إلّا وكان أحبّهما إلى الله تعالى أرفقهما بصاحبه».
وآداب الصحبة الإيثار بالمال ، فإن لم يكن هذا فبذل الفضل من المال عند الحاجة ، والإعانة بالنفس في الحاجات على سبيل المبادرة من غير إحواج إلى التماس ، وكتمان السر ، وستر العيوب ، والسكوت عن تبليغ ما يسوؤه من مذمة الناس إياه ، وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه ، وحسن الإصغاء عند الحديث ، وترك المماراة فيه ، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه ، وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ، وأن يشكره على صنيعه في وجهه ، وأن يذبّ عنه في غيبته إذا تعرض لعرضه كما يذب عن نفسه ، وأن ينصحه باللطف والتعريض إذا احتاج إليه ، وأن يعفو عن زلته وهفوته فلا يعتب عليه ، وأن يدعو له في خلوته في حياته وبعد مماته ، وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاربه بعد موته ، وأن يؤثر التخفيف عنه فلا يكلفه شيئا من حاجاته ويروح قلبه من مهماته ، وأن يظهر الفرج بجميع ما يرتاح له من مساره ، والحزن على ما يناله من مكاره ، وأن يضمر في قلبه مثل ما يظهر فيكون صادقا في ودّه سرّا وعلانية ، وأن يبدأه بالسلام عند إقباله ، وأن يوسع له في المجلس ، وأن يخرج له من مكانه ، وأن يشيعه عند قيامه ، وأن يصمت عند كلامه حتى يفرغ من كلامه ويترك المداخلة في كلامه ؛ وعلى الجملة فيعامله بما يحب أن يعامل به ، فمن لا يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه فأخوّته نفاق ، وهي عليه وبال في الدنيا والآخرة ، فهذا أدبك في حق العوالم المجهولين وفي حق الأصدقاء المؤاخين.
وأما القسم الثالث وهم المعارف ؛ فاحذر منهم ، فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه ، أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك ، وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون