بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي أصعد قوالب الأصفياء بالمجاهدة ، وأسعد قلوب الأولياء بالمشاهدة ، وحلى ألسنة المؤمنين بالذكر ، وجلى خواطر العارفين بالفكر ، وحرس سواد العباد عن الفساد ، وحبس مراد الزهاد على السداد ، وخلص أشباح المتقين من ظلم الشهوات ، وصفى أرواح الموقنين عن ظلم الشبهات ، وقبل أعمال الأخيار بأداء الصلوات ، وأيّد خصال الأحرار بأسدّ الصّلات.
أحمده حمد من رأى آيات قدرته وقوته ، وشاهد الشواهد من فردانيته ووحدانيته ، وطرق طوارق سرّه وبرّه ، وقطف ثمار معرفته من شجر مجده وجوده ، وأشكره شكر من اخترق واغترف من نهر فضله وإفضاله.
وأومن به إيمان من آمن بكتابه وخطابه وأنبيائه وأصفيائه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه لأصلاب الفسقة والفجرة قاصما ، ولعرى الجاحدين والمارقين فاصما ، ولباغي الشك والشرك قاهرا ، ولأتباع الحق والإحسان ناصرا ؛ فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عنوان معرفة النفس
اعلم أن الكيمياء الظاهرية لا تكون في خزائن العوام وإنما تكون في خزائن الملوك ، فكذلك كيمياء السعادة لا تكون إلا في خزائن الله سبحانه وتعالى ؛ ففي السماء جواهر الملائكة ، وفي الأرض قلوب الأولياء العارفين ، فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة النبوة فقد أخطأ الطريق ، ويكون عمله كالدينار البهرج ، فيظن في نفسه أنه غني وهو مفلس في القيامة كما قال سبحانه وتعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢] ومن رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده أن أرسل إليهم مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي يعلمون الناس نسخة الكيمياء ، ويعلمونهم كيف يجعلون القلب في كور المجاهدة ، وكيف يطهرون القلب من الأخلاق المذمومة ، وكيف يؤدونه لطرق الصفاء كما قال سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة : ٢] أي يطهرهم من الأخلاق المذمومة ومن صفات البهائم ، ويجعل صفات الملائكة لباسهم وحليتهم.
ومقصود هذه الكيمياء أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى منه ، وكل ما يكون من صفات الكمال يلبسه ، وسر هذه الكيمياء أن ترجع من الدنيا إلى الله كما قال سبحانه وتعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] وفضل هذه الكيمياء طويل.