أكثر وضوؤه أكبر لأنه خرج من الظلمة إلى الضوء.
فصل
واعلم أن نفس ابن آدم مختصرة من العالم ، وفيها من كل صورة في العالم أثر منه ؛ لأن هذه العظام كالجبال ، ولحمه كالتراب ، وشعره كالنبات ، ورأسه مثل السماء وحواسه مثل الكواكب ، وتفصيل ذلك طويل ؛ وأيضا فإن في باطنه صناع العالم ، لأن القوة التي في المعدة كالطباخ ، والتي في الكبد كالخباز ، والتي في الأمعاء كالقصار ، والتي تبيض اللبن وتحمر الدم كالصباغ. وشرح ذلك طويل ، والمقصود أن تعلم كم في باطنك من عوالم مختلفة كلهم مشغولون بخدمتك ، وأنت في غفلة عنهم ، وهم لا يستريحون ، ولا تعرفهم أنت ولا تشكر من أنعم عليك بهم.
فصل في معرفة تركيب الجسد
ومنافع الأعضاء التي يقال عنها في علم التشريح
وهو علم عظيم ، والخلق غافلون عنه ، وكذلك علم الطب. فكل من أراد أن ينظر في نفسه وعجائب صنع الله تعالى فيها ، يحتاج إلى معرفة ثلاثة أشياء من الصفات الإلهية :
الأولى : أن يعرف أن خالق الشخص قادر على الكمال وليس بعاجز ، وهو الله سبحانه وتعالى. وليس عمل في العالم بأعجب من خلق الإنسان من ماء مهين ، وتصوير هذا الشخص بهذه الصورةالعجيبة كما قال الله سبحانه وتعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) [الإنسان: ٢] فإعادته بعد الموت أهون عليه ؛ لأن الإعادة أسهل من الابتداء.
الثانية : معرفة علمه سبحانه وتعالى وأنه محيط الأشياء كلها ؛ لأن هذه العجائب والغرائب لا تمكن إلا بكمال العلم.
الثالثة : أن تعلم أن لطفه ورحمته وعنايته متعلقة بالأشياء كلها ، وأنها لا نهاية لها ، لما ترى في النبات والحيوان والمعادن في سعة القدرة وحسن الصور والألوان.
فصل في تفصيل خلقة بني آدم
لأنها مفتاح معرفة الصفات الإلهية وهو علم شريف
وذلك معرفة عجائب الصنائع الإلهية ، ومعرفة عظم الله سبحانه وتعالى وقدرته ، وهو مختصر معرفة القلب. وهو علم شريف إذ هو معرفة الصنائع الإلهية ، لأن النفس كالفرس ، والعقل كالراكب ، وجماعهما الفارس ، ومن لم يعرف نفسه وهو يدعي معرفة غيره فهو كالرجل المفلس الذي ليس له طعام لنفسه وهو يدعي أنه يقوت فقراء المدينة ، فهذا محال.