فصل وهو المقالة السابعة
في ترتيب حاشية الدولة
يستحب للفرّاش أن يكون رشيقا ، خفيف النفس ، ظاهر القوة ، طيب الريح ، عارفا بترتيبه الخبز والخضروات ، كامل العدة ؛ وهكذا تقول في الطباخ والشاربيّ ، ويكون دار شربة كامل المشارب من الماء البارد والأشربة والفقاع السك السكنجبيني ، وشربه نافع بإذن الله تعالى على الريق ، وهو محمص للطعام مفتح للجوف. واعلم أن آداب أهل التصوف في المآكل والمشارب هي آداب الملوك ؛ وترك إبراهيم بن أدهم كبر الملك. ومسك آداب الطعام والائتدام بالحوامض أولى. والركابية والسعاة خفاف السرعة شباب ، وهكذا جميع المقاتلين والشيوخ المعنية بالرأي. ويحط العسكر في نشز من الصدر أولى للتحصين واغتنام الأهوية. والخمول في الشتاء أجمل ، والتهيئة لما يختاره في الصيف ، ورحل السلطان لقلاقل السفر عند نزول الشمس في السرطان ، وسكونه عند نزولها آخر القوس ، إذ فصول السنة أربعة : فمن نصف حزيران إلى نصف أيلول صيف ، ثم إلى نصف كانون الأول خريف ، ثم إلى نصف آذار شتاء ، ثم إلى نصف حزيران ربيع ، وهكذا أقسام منازل الشمس ، والخبر النبوي يؤيده : " إذا انتصفت الشّهور تغيّرت الدّهور". فإن ركب بعد صلاة العصر وإلا قعد لكشف المظالم أو لكتب القصص وهو يسمعهم في عزلة ، كان السابقون من الملوك إذا قعدوا للسلام يقعدون وراء شباك ويدخل من شاء إليهم خوف الاغتيال في المزاحمة ، ويفتش على غوامض ما يجري حتى يكون له صاحب خبر في البلد يرفع الغثّ والسمين. ويستحب أن يطالع كتب الطب والتواريخ وشاهنامة العجم وقصص التابعين للعجم والديلم مثل ما جرى للشهرباز درستم زاد وكان النبي يومئذ سليمان عليهالسلام فأوقع الوقائع بينهم حتى هلك بعضهم ببعض. وليكن مع الملك جنود لحذر ما يجري ، وحفظه في الحمّام فكثير هلكوا فيه ، وحمّام داره أجمل. وعليكم بكتم مرضه وموته حتى يستقر الملك فيمن شاء الله من عباده بعد البيعة والمتابعة وتقرير القواعد. وكن أيها الملك مسارعا في الثناء والثواب فإنه الذكر المخلد ، وأكثر ما تنظر في كتب ابن أبي الدنيا ، وتواريخ الطبري ، ومذهب الشافعي ، أو ما تختار من المذاهب. ولا تظهر البدعة ولو كانت فيك ، كالأكاسرة وسوبويه هلكوا بمتابعة الأهواء. وللنعم أجنحة الأجر فقوها بالشكر. واجعل بينك وبين الله طريقا إلى الصلاح ، فقد حكي أن ملكا قمع ملك الموت عنانه فقبضه على ما يريد ، وأن ملكا صالحا أتاه ملك الموت فأسرّ إليه في أذنه فقال : مرحبا بك فأنت أطيب القادمين وخير النازلين وأحب المنتظرين فافعل ما أمرت به! فقال ملك الموت : لا أقبضك إلا على ما تختار ، فتوضأ وسجد فقبضه في سجوده والله تعالى أعلم.
ومن لطائف الحكايات الملكية أن محمود بن بويه لما ملك أرض العراق أعطى ألف دينار