لفرّاش له ، وقال : اذهب إلى مدينة أصفهان إلى شارع السلطان ففي صدر الدرب بيت فيه شيخ وعجوز ، ادخل إليهما فسلم عليهما وقل لهما ابنكما يقول لكما كيف أنتما من وحشة فراقه! فلما وصل إليهما فأخبرهما قال : خذ ما جئت به لك ، قال الغلام : أنتما فقيران وبكما حاجة إليه ، فقال الشيخ : غنى النفس باق ، ثم تنفس وتمثل بهذه الأبيات :
علي ثياب لو يقاس جميعها |
|
بفلس لكان الفلس منهن أكثرا |
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها |
|
نفوس الورى كانت أجلّ وأكبرا |
وما ضرّ نصل السيف إخلاق عهده |
|
إذا كان عضبا حيث وجّهته فرى |
ويستحب أن يكون مغنّي الملك مغنيّا نديّ الصوت شجيا ، لا خارجا ولحانا ، عالما بالأصوات ثقيلها وخفيفها وهزجها ورملها وصوفيها ، وأصواتها الثقال مثل قول أبي الشيص :
أجد الملامة في هواك لذيذة |
|
حبّا لذكرك فليلمني اللوم |
ومثل قول أبي نواس في الوزن :
شرك النّفوس وعصمة ما مثلها |
|
للمطمئنّ وعقلة المستوفز |
إن طال لم يهلك وإن هي أوجزت |
|
ودّ المحدث أنّها لم توجز |
وفي المستهل والعمل شعر عاشق بني عامر مجنون ليلى :
خليليّ قوما في عطالة فانظرا |
|
أنار ....................... |
فإن تك نارا فهي في جنب ملتقّى |
|
من الرّيح يذروها ويصفقها صفقا |
لأمّ عديّ أوقدتها طمّاعة |
|
لأوبة سفر أن يكون لها وفقا |
وحطّ بها رحلي قليلا فإنّها |
|
لأول أطلال عرفت به العشقا |
وليكن المغني عالما بطريق الأغاني ، مطلعا على كتاب الموسيقى الموضوع للرئيس أبي علي بن سينا ، وقد شرحناه في : " كتاب السبيل لأبناء السبيل" وسأذكر لك نكتة منه فأقول كما قيل : إن لدوران الفلك أصواتا لو سمعها عاقل أو لبيب لما ثبت ، ومنها أخذ موسى ترجيع النغمات من المربع والمسدس والمثمن ، والنصارى عملوا ببعضه ، فالألحان للروم ، والتجنيس للعراق ، والزقالق للعجم ، والطبول للزنج أو الحبشة ، والبوق لليهود ، وهو سبعون دستا مثل دستان الرحيل يقول في وزنه : اركب فأنت المظفر. اركب فالله أكبر. ودستان الحرب والنزول وغيره. وقال سقراط : اشتباك نغمات الأصوات من هياكل العبادات تحل وتعقد في الأفلاك الدائرة ، مثل همة إصابة العين والسحر والاستسقاء وسنذكرها في مواضعها. وكن مع الملك كما قال بعض الحكماء :
إذا خدمت الملك فالبس |
|
من التوقّي أشدّ ملبس |
وادخل إذا ما دخلت أعمى |
|
واخرج إذا ما خرجت أخرس |