سليمان عليهما بعد الكسر ، وسهم بأصحابه فقتل رستم وقبض على شهرباز ، ومر السيف على الفئتين فأصابهم مثل نوبة بني إسرائيل مع بختنصر : أوقع الخلاف في الحصن ، فتحمل النساء على فجأة المبارزة ، ثم تسجن على ذلك أو أقطعه للذين لا خير لهم. ولا تنهبهم فتنصف بنفسك من نفسك ، فتكون كالذي طابت له حلاوة العسل فعمد إلى خراب كوارة النحل ، فتكون أشقى الثلاثة : يروح المظلوم بالثواب ، والظالم بالانتهاب ، وتظفر أنت بمرارة الحساب ، ومتى يعم الخراب يا غراب. ثم تكتب إلى أهل الحصن ولو في نشابة : من أراد خيره فلينزل إلينا! في قدر فلك الحصار فيكون في حزيران. واحفظ البلد بالمقطعين من السياسة واللائذين بالدواب ، وليكن لك في كل قرية علامة ، وعاقب المخالف بأنواع ما تريد ما لم تجاوز النصفة ، ومد المشتري ، ثم انصب الأخواص ، وشرع الثياب وصواني فيها ذهب ، وفرق القتال في حنيات الحصن ، وامنع خروجهم ودخولهم خوف الاغتيال ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم عام خيبر مكنهم من الخروج ، أطعمهم ، وخرج الأكثر منهم ثم منعهم من الدخول. فإن اتفق له جهة أخرى ترك على الحصن مقطعين مع طائفة من خواصه ؛ فإن اتفق قتال نقب ورزق ومنجنيق ، فافعل ورهب وغزغز رمحك وتقعقع ، وليكن باطنك على أهل السواد سليما ، والله تعالى أعلم.
فصل وهو المقالة الحادية عشرة
افتقد آلات سفرك قبل خروجك ، وناد في سفرك لعسكرك بالإعلام قبل الخروج بمدة ، واترك بعدك من يتفقد الناس ، وليكن عندك صناع فيما تحتاج إليه ، وليكن لسوق عسكرك أمناء تحفظه بالتغليظ في السياسة ، وليكن وزيرك عالما بكتب أرباب السياسات مثل الممالك والمسالك وسياسات المعري التي أودعها الرئيس في آخر كتابه المسمى بالأدوية القلبيه ، وكتاب قوانين الملك لابن مرة. ويقتني مثل كتب البيزرة لكشاجم ، وكتب البيطرة لابن قتيبة ، والمنهل الروي ، فهذا يحتوي على أصناف البزاة وأدويتها ودائها. وأصناف الخيول ستون صنفا ، وكان الإسكندر ينظر الدابة فيعرف مرضها ، وهذا هو الطب الأصعب ، إذ لا يمكن فيه من المساءلة. وكان يقف في شباك له أو خيمة مشرفة على الدواب وعلفها فقيل له : أتباشر هذا الأمر بنفسك؟ فقال : نعم ، لأنها لنفسي. وأمغص له فرس فسقاه ماء الأشنان مبردا فهدأ. ومن جملة الخواص تمشيتها على قبور أهل الذمة ، فقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : " تسمع من قبور أهل الذّمّة صعقات الانتقام وصراخ من تحت فتفزع وتشفى" وهذه الخواص كثيرة من الحيوان والنبات والجماد ، فقد ذكرنا أشياء منها في فصول هذا الكتاب ، وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال : " لما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس وأمر فيها عبد الله بن مسعود ، فأتيته مهاجرا إليها ، فدخلت عليه فلم أر له حاجبا ولا بوابا ، فسألته عن ذلك ، فقال : سيظهرها عثمان ثم تسمعون بمنزلها ، ثم رأيته ينقي شعير فرسه بيده فقلت له في ذلك ، فقال : سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : من افتقد قضيم دابته بيده ونقاه بيده كان له بكل حبة عشر حسنات ، أفتراني أعطي هذا الثواب لغيري! افتقد نفسك وما ينجيك هو