خير لك من كبرك الذي يطغيك". ومثل هذا نقل عن أبي حازم قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمهالله تعالى ، فأخذ المصباح ينطفئ فقلت : أما أنبه غلامك؟ فقال لا ، فقلت : أقوم أنا؟ فقال لا ، ثم قام عمر وأصلحه ثم قعد وهو يقول : قمت وأنا عمر وقعدت وأنا عمر ، قبحا لوجوه المتكبرين! ثم أنشد:
إذا عظم الإنسان زاد تواضعا |
|
وإن لؤم الإنسان زاد ترفّعا |
كذا الغصن إن تقو الثمار تناله |
|
وإن يعر عن حمل الثمار تمنّعا |
فصل وهو المقالة الثانية عشرة
في ذكر صفات منامك
أيها الملك ، إذا كنت في سفر فبرجا أو حرسا حادّا أو مشاعل ، وكن متيقظا لنفسك ، واشبع بالنهار واسهر بالليل بالمنادمة والقصص والسير وتدبير الأشغال. وإن كنت في الحصن فشد حراسة الباب والسور ، وليكن البواب من جملة البرانيّ ، ونم وحدك في مقصورة لطيفة ، وأهلك خارجها والمفتاح عندك ، فإذا استدعت نفسك بعض جواريك فلا تستدع الباردة الثقيلة ، فمعاشرة الوحش الخفيف خير من حسن الثقيل ، قيل لجعفر الصادق رحمهالله تعالى : لم تختار السود على البيض؟ فقال : مصيف ومشتى ، وأخونة شتى. قال عبد الملك ابن مروان : أطيب الجماع أفحشه. وقد شكا بعض الملوك من قلة الإنعاظ ، وكان يخاف الأدوية الحارة ، فاتخذوا له كتاب الباه بطريق الحكايات فعلت فلانة وفعل بفلانة كما قال ابن الحجاج :
ما كرهن النّساء للشّيب إلّا |
|
أنّه مؤذن بنوم الذّكور |
وانظر البيت الذي في القصيدة اليتيمة :
ولها هنّ راب مجسته |
|
ضيّق المسالك حره وقد |
وإذا طعنت طعنت في لبد |
|
وإذا جذبت يكاد ينشدّ |
واختلف جاريتان عند المأمون سوداء وبيضاء ، فقالت البيضاء : الثلج يصلح للدواء ، وبياض الشمس عجب ، وخير الثياب البيض ، والبيض أحسن من الفحم. فقالت السوداء :
عنبر أشهب وعود قماري |
|
يتعاطى عند العناق لذيذا |
وفحم الشتاء خير من حمأة الصيف الباردة ، وعيب الشيب شديد ، والبياض في العين عمى ، وليلة القدر خير من ألف شهر :
وسواد الشّباب يطلبه |
|
الغانيات حقّا عجولا |
وسواد ثياب بني العباس أهيب ، وعندنا مجامر الشتاء بساتين المصيف. ثم أنشدت :
أحب لحبها السودان حتى |
|
أحب لأجلها سود الكلاب |
وهو لكثير عزة.