جعل يقول الوزير الوزير حتى برق بارق الصبح ، فسمعنا هدة عظيمة ، فسألنا عنها فقيل هي دار الضيافة وقعت على ثمانية وأربعين رجلا. وعند طلوع الشمس جاءنا كتاب الطائر يقول فيه : لا تزعجوا الشيخ فقد وقع الحمام على الوزير. ثم التفت الشيخ إليّ وقال : من أي أرض أنت؟ فقلت : من أرض الله تعالى ، فقال : أنت من أرض الهركاز ، أنت يوسف بن علي ، حملوك على قتلي وزعموا أني زنديق ، وكان حجتنا بالشام ، ثم قال لي : اكتب على صفة الحالة (شعر) :
باتوا وحتفي أماني لنيتهم |
|
وبت لم يحضروا مني على بال |
وفوّقوا لي إشارات سهامهم |
|
فأصبحت وقعا مني بأميال |
فما ظنونك أنّ جندي ملائكة |
|
وجندهم بين طواف وحجال |
لقيتهم بعصا موسى التي منعت |
|
فرعون ملكا ونجت آل إسرال |
أقيم خمسين صوم الدهر ألفه |
|
واد من الذّكر أبكارا لآصال |
عيدين أفطر في عامي إذا حضرا |
|
عيد الأضاحي ويقفو عيد شوال |
إذا تنافست الجلاس في حلل |
|
رأيتني من خسيس القض سربالي |
لا آكل الحيوان الدّهر مأثرة |
|
أخاف من سوء أعمالي وآمالي |
نهيتهم عن حرام الشّرع كلّهم |
|
ويأمروني بترك المنزل العالي |
وأعبد الله لا أرجو مثوبته |
|
لكن تعبد إكرام وإجلال |
أصون ديني عن جعل أؤمله |
|
إذا تعبد أقوام بأجعال |
فإذا كنت أيها الملك على هذا الوصف بلغت المقاصد ، ووصلت إلى المشرب الهنيء ، ونكبت أعداءك ، وتصير مثل دعاء القلنسوة والنجاشي ، وربما تكون أنت الملك السفياني يفتح لك الحصون من غير تعب ، ويجود بك الذرع والضرع والزرع ، إذ الناس بالمال ، وربما تسعد بهذه الحالات كما سعد الإسكندر. فما قد كان يجوز أن يكون ، وقد قال في خطبة البيان : لا بد من ظهور ملك عادل زاهد خائف ، يمهد البلاد ويحسن إلى العباد وهذا بعد ثلاث وسبعين بما شاء الله. وهذه من الخواطر الربانية كيف ظهرت فراشتها في كشف الأمور المغيبة ، فإذا رق حجاب القلب يرتفع السد ، يتبين له ما في اللوح المحفوظ فيخبر بما في عالم الغيب من غير ريب ، والله عالم الغيب يعلمه من يشاء ، والملوك تودع سرها عند من تحبه وتختاره ، وقد سمعت حكاية أياز مع السلطان محمود ، فانتبه أيها الملك لهذه النكت والإشارات ، وقد نصحت لكم إن كنتم تحبون الناصحين. والملك بالعلماء أليق من الفجرة الفاسقين ، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، ولا بد للأرض من ناصر ووارث يورثها من يشاء من عباده.