بسم الله الرّحمن الرّحيم
اعلم أن الناموس هو مفتقر إليه في بعض الأحيان كالدواء ، لكن نكشف شرح مشقة الأحوال عند العوام ، فإن صاحب الشرع خاطب الناس على قدر عقولهم ، والمنزه ذكره خاطب كل أحد بما يستحقه ويعقله : فلقوم ولدان مخلدون ، ولقوم سدر مخضود وطلح منضود ، ولأرباب الهمم العالية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] والمنشد قد نبه في نظمه (شعر) :
إمّا ذبابا فلا تعبأ بمنقصة |
|
أو قمة الرّأس واحذر أن تقع وسطا |
واعلم أن الزمان حبيب أهله ، وطائفة تخترع لها مذهبا في الناموس بطريق الزهد ، كالسبح ، والمرقعات ، وجلود الغنم ، والبرانس ، وأذان الليل ، والانقطاع في الكهفان ، وكبر الأمور بحيث أن يقول لصاحبه اذهب ففي الموضع الفلاني كذا وكذا. وطائفة تظهر النور ، وأخرى تقعد بين القبور ، وإظهار الخزعبلات والنيرنجيات بمعرض الكرامات ، ودهن الأقدام ، والخوض في النور ، وإظهار الخرق من سمندل الصين التي يذهب وسخها النار ، وإظهار الخفف ، ومد الشعبذة ، وضرب طلسم على النعل فيعبر الماء ، ووقوف السجادة في الهواء ، وشعلة القناديل ، وإشعال السراج بالماء دون الدهن ، وكثير من ذلك لا عدد لها. والفرق بين المعجزة والسحر والكرامة هو دواء الشيء وإظهاره للناس ، كالقرآن المجيد ، فهو المعجز الأكبر ، والناموس الأعظم ، فلا تطلى على الملك حالات المبرهن. وأما أرباب الكرامات والمكاشفات فهم الذين استخدموا وخدموا ، واستعملوا وعملوا ، فكشف لهم العمل سد الغفلة ، وضرب جهة الذكر ما في الشبه القلبية فأزال زرقتها وسوادها ، ووقعت المشاهدة عقيب المجاهدة ، فتنورت القلوب بنور الصدق والتصديق ، فهامت النفوس المقدسة في مهامه المروج الصمدية ، وانكشف سر اللوح والمحفوظ من دار الديمومية ، وظهرت الخواطر الصافية عن الأجسام الرذلة المعلولة فأغرقت في قلب كمال الوجود ، ووافت من صحبة أهل الجود ، وبزغت لهم أقمار الحقائق من فلك الطرائق ، فكان باب بدو البداية رؤية كوكب ضعيف ، ثم انبسط النور الرباني من نقش عرش الإيمان فصار قمرا إبراهيميّا ، ثم انبجست عيون المحبة الربانية عن فيض شمس الحقيقة البرهانية ، ثم رق القلب الصادق الصافي الوافي على براق علوّ الهمة فصادفت فلكا وملكا ، ثم صفقت أجنحة الاشتياق فصادفت عقار المحبة ممزوجا بمياه الخوف ، شربت لما قربت ، وطربت وتقربت ، وشقت ثياب البشرية والتحقت به بالكلية ، وأنشدت في سكرها (شعر) :
ولقد خلعت على العواذل سلوتي |
|
وحلفت بالحرمين لا أنساكم |
ففتحت أبواب مجالس الطرب ، ونادى العاشق الصادق من عظيم الويل. والحرب عجز