عن حمل حلاوة الخلاة فنادى بين شوارع دروب الكروب :
بالله ربّكما عوجا على سكني |
|
وعاتباه لعلّ العتب يعطفه |
وعرّضا بي وقولا في حديثكما |
|
ما بال عبدك بالهجران تتلفه |
فإن تبسم قولا في ملاطفة |
|
ما ضرّ لو بوصال منك تسعفه |
وإن بدا لكما من مالكي غضب |
|
فغالطاه وقولا لسنا نعرفه |
فإذا شوهد منه ضعف الحمل أماتته يد القدرة تحمل التنين ، فهو معروف في البداية بالجنون ، وفي النهاية بالفنون ، فنراه في حال بدايته يتشبب بالنغمات والسماع ، إن اتخذه دأبه وعادته صرف وجهه عن الباب فضرب بينهم بسور له باب ، وإن جعل ذلك جسرا يجوز به من العلم الأصغر إلى العلم الأكبر وهو علم المعارف ، فيدخل في حالات العاشقين ومقامات الصادقين ، فيقيل تحت أشجار الحكم اللاهوتية عند رب العالمين ، فتنكسر زجاجات جسمانية ويدور به دولاب سعادته ، فأقل مقامه إظهار كرامته ، فإذا رأى أحدا من أحبائه وضع خده تحت نعله وترابه ، كما نقل في الحكايات المجنونية في ليلى العامرية أنه رئي على كتفه كلب يطعمه ويسقيه ، وقيل له في ذلك ، فقال : رأيته يحرس باب ليلى ، ثم أنشد حين تأود (شعر) :
رأى المجنون في الفلوات كلبا |
|
فضمّ إليه بالإحسان ذيلا |
فلاموه على ما كان منه |
|
وقالوا لم منحت الكلب نيلا |
فقال ذروا ملامكم فعيني |
|
رأته مرة في باب ليلى |
وهذا يعضده ما روي" أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قيل له : ألا تصلي على فلان وقد مات؟ فقال : لا أصلّي على من لم يصلّ ، فقال عمر : أنا رأيته يصلي ركعتي العيد ، فقال عليهالسلام : كيف أصلّي على من لم يصلّ إلّا نافلة! فجاءه جبريل عليهالسلام أمين الحضرة وقال له : يا محمد أليس رأوه في بابنا مرة إذا رددته من بابي فبباب من يقف؟ يا محمد إني قد غفرت له فصلت عليه ملائكتي ، إن الله لغني عن العالمين".
المقالة الرابعة عشرة
في المواعظ التي تجلب قلوب الناس إلى طاعة الملك
إنا قد عرّفناك بطرق ثلاثة داعية إلى الملك ، وها نحن نعرفك بطريقة أخرى فنقول : يا أيها المعيب القائل من فلان حتى يثبت على الملك بماله وآله وملكه ومقاله وأبيه وأمه ، فنقول له : من كان نمرود بن كنعان ، وعاد صاحب الجنان؟ فإدريس مخيط الخيام ، ونوح نجار الأيام ، وإبراهيم راعي الضأن ، وداود زراد ، وطالوت دباغ ، وصالح تاجر ، وسليمان خواص ، وعيسى سراج ، وآدم حراث ، أما تتعظ بقوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] واعلم أنه لا بد لك من ملك تقتدي به وتميل إليه ،