والقرآن إمامي ، والكعبة قبلتي ، وإبراهيم أبي ، وملته ملتي ، غير مستعجم ، فيقولان له : صدقت! ويفعلان به كالأول ، إلا أنهما يفتحان له بابا من النار من تلقاء شماله ، فينظر إلى حيّاتها وعقاربها وأغلالها وسلاسلها وحميمها وجميع ما فيها من صديدها وزقومها ، فيفزع فيقولان له : لا عليك سوء ، هذا موضعك كان من النار قد أبدله الله تعالى به موضعك هذا من الجنة ، نم سعيدا! ثم يغلقان عنه باب النار ولم يدر ما مرّ عليه من الشهور والأعوام والدهور. ومن الناس من ينعجم في مسألته ، وإن كانت عقيدته مختلفة امتنع أن يقول الله ربي ، وأخذ يذكر غيرها من الألفاظ ، فيضربانه ضربة يشتعل قبره منها نارا ، ثم يطفأ عنه أياما ، ثم يشتعل عليه أيضا ، ثم دأبه ما بقيت الدنيا. ومن الناس من يعتاص عليه ويعسر أن يقول الإسلام ديني ، بشك كان يتوهمه ، أو فتنة تقع به عند الموت ، فيضربانه ضربة واحدة فيشتعل عليه قبره نارا كالأول. ومن الناس من يعسر عليه أن يقول القرآن إمامي ، لأنه يتلوه ولا يتعظ به ولا يعمل بأوامره ولا ينتهي بنواهيه ، يطوف عليه دهره ولا يعظ نفسه خيره ، فيفعل به ما فعل بالأولين. ومن الناس من يستحيل عمله جروا يعذب به في قبره على قدر جرمه. في الأخبار أن من الناس من يستحيل عمله خنّوصا وهو ولد الخنزير. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول محمد نبيّي ، لأنه كان ناسيا لسنّته. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول الكعبة قبلتي ، لقلة تحريه في صلاته ، أو فساد في وضوئه ، أو التفات في صلاته ، أو اختلال في ركوعه وسجوده ، ويكفيك ما روي في فضائلها أن الله لا يقبل صلاة ممن عليه صلاة ومن عليه ثوب حرام. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول أبي إبراهيم ، لأنه سمع كلاما يوما أوهمه أن إبراهيم كان يهوديّا أو نصرانيّا ، فإذا هو شاب مرتاب ، فيفعل به ما فعل بالآخرين. وكل هذه الأنواع كشفناها في كتاب الإحياء.
فصل
وأما الفاجر فيقولان له : من ربك؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا عرفت! ثم يضربانه بتلك المقامع الحديد حتى يتجلجل في الأرض السابعة ، ثم تنقضه الأرض في قبره ، ثم يضربانه سبع مرات ، ثم تختلف أحوالهم فمنهم من يستحيل عمله كلبا ينهشه حتى تقوم الساعة ، وهم المرتابون ، وهي أنواع تعتري أهل القبور ، وإنما آثرنا الاختصار في ذكرها ، وأصلها أن الرجل إنما يعذب في قبره بالشيء الذي كان يخافه في الدنيا ، فمن الناس من يخاف الجرو أكثر ، وطبائع الخلق مفترقة. نسأل الله السلامة والغفران قبل الندامة.
وقد روي عن غير واحد من الموتى أنه رئي في المنام فقيل له : كيف كان حالك؟ فقال : صليت بلا وضوء فوكل الله علي ذئبا يروعني في قبري ، فحالي معه أسوأ حال. وآخر رئي في المنام فقيل : ما فعل الله بك؟ فقال دعني فإني لم أتمكن في غسل يوم من الجنابة فألبسني الله ثوبا من نار أتقلب فيها إلى يوم القيامة. ورئي آخر فقيل : ما فعل الله بك؟ فقال : الغاسل الذي