يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [القلم : ٤٢]. وروى البخاري في تفسيره مسندا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «يكشف الله عن ساقه يوم القيامة فيسجد كلّ مؤمن ومؤمنة» وقد أشفقت من تأويل الحديث وعدلت عن منكريه ، وكذا أشفقت من ذكر صفة الميزان وزيفت قول واضعيه بالمثل وجعلته محيزا إلى العالم الملكوتي ، فإن الحسنات والسيئات أعراض ، ولا يصح وزن الأعراض إلا بالميزان الملكوتي. فبينما الناس ساجدون إذ نادى الجليل بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان حكاه البخاري لا يجاوزني ظلم ظالم ، فإن جاوزني فأنا الظالم. ثم يحكم بين البهائم ، ويقتص للجماء من القرناء ، ويفصل بين الوحش والطير ، ثم يقول لها : كوني ترابا! فتسوى بها الأرض. ويتمنى الكافر فيقول يا ليتني كنت ترابا! ثم يخرج النداء من قبل الله : أين اللوح المحفوظ ، فيرى به هوج عظيم فيقول الله : أين ما سطرت فيك من توراة وإنجيل وفرقان ، فيقول : سلبني الروح الأمين ، فيؤتى به يرعد وتصطك ركبتاه فيقول الله : يا جبريل هذا اللوح يزعم أنك نقلت منه كلامي ووحيي أصدق؟ فيقول : نعم يا رب! فيقول له : فما فعلت فيه؟ فيقول : أنهيت التوراة إلى موسى ، والإنجيل إلى عيسى ، والفرقان إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنهيت إلى كل رسول رسالته ، وإلى أهل الصحف صحائفهم. فإذا بالنداء : يا نوح! فيؤتى به يرعد وتصطك فرائصه فيقول له : يا نوح زعم جبريل أنك من المرسلين ، قال : صدق ، فيقول له : ما فعلت مع قومك؟ قال : دعوتهم ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا. فإذا بالنداء : يا قوم نوح! فيؤتى بهم زمرة واحدة فيقال هذا أخوكم نوح يزعم أنه بلغكم الرسالة ، فيقولون : يا ربنا كذب ما بلغنا من شيء ، وينكرون الرسالة ، فيقول الله : يا نوح ألك بينة عليهم؟ فيقول : نعم يا رب بينتي عليهم محمد وأمته ، فيؤتى بالنبي فيقول الله عزوجل : يا محمد هذا نوح يستشهدك ، فيشهد له بتبليغ الرسالة ويقرأ صلىاللهعليهوسلم (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح : ١]. إلى آخرها فيقول الجليل : قد وجب عليكم الحق وحقت عليكم كلمة العذاب ، فقد حقت على الكافرين ، فيؤمر بهم زمرة واحدة إلى النار من غير وزن عمل ولا حساب. ثم ينادى : أين عاد؟ فيفعل قوم هود مع هود كما فعل قوم نوح مع نوح ، فيشهد عليهم النبي وخيار أمته فيتلو (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٢٣]. فيؤمر بهم إلى النار. ثم ينادي : يا صالح ويا ثمود! فيأتون فيستشهدون عند ما ينكرون النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيتلو (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٤١]. إلى آخر القصة ، فيفعل بهم مثلهم. ولا يزال يخرج أمة بعد أمة قد أخبر عنهم القرآن بيانا ، وذكرهم فيه إشارة ، كقوله تعالى (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨]. وقوله (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) [المؤمنون : ٤٤]. وقوله (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) [إبراهيم : ٩]. وفي هذا تنبيه على أولئك القرون الطاغية كقوم يارخ ومارخ ودوح وأسر وما أشبه ذلك ، حتى ينتهي النداء إلى أصحاب الرسّ وتبّع وقوم إبراهيم ، وفي كل ذلك لا يروج ، أي يرتفع لهم ميزان ، ولا يوضع لهم حساب ، وهم عن ربهم يومئذ محجوبون ، والترجمان يكلمهم ، لأن من نظر إليه الله وكلمه لم يعذب. ثم ينادى بموسى فيأتي وهو كأنه ورقة في ريح