عاصف فيقول له : يا موسى إن جبريل زعم أنه بلغك الرسالة والتوراة ، فتشهد له بالبلاغ؟ قال : نعم ، قال : فارجع إلى منبرك واتل ما أوحي إليك! فيرقى المنبر ويقرأ فينصت كل من في الموقف ، فيأتى بالتوراة غضة طرية على حسبها يوم أنزلت حتى يتوهم الأخبار أنهم ما عرفوها يوما. ثم ينادى : يا داود! فيأتي وهو يرعد كأنه ورقة في ريح عاصف ، ويقول جل ثناؤه : يا داود زعم جبريل أنه بلغك الزبور ، فتشهد له بالبلاغ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول له : ارجع إلى منبرك واتل ما أوحي إليك! فيرقى ويقرأ وهو أحسن صوتا. وفي الصحيح أنه صاحب مزامير أهل الجنة. فيسمع صوته أمام تابوت السكينة ، فيقتحم الجموع ويتخطى الصفوف حتى يصل إلى داود ، فيتعلق به فيقول : أما وعظك الزبور حتى نويت لي شرّا؟ فيخجله ويسكته مفحما ، فيرتج الموقف لما يرى الناس من شأن داود عليهالسلام. ثم يتعلق به فيسوقه إلى الله ، فيرخى عليهم الستر ، فيقول : يا رب أنصفني منه! فإنه تعمدني بالهلاك ، وجعلني أقاتل حتى قتلت ، وتزوج امرأتي وعنده يومئذ تسع وتسعون امرأة غيرها ، فيلتفت الجليل إلى داود فيقول له : أصدق فيما يقول؟ فيقول له : نعم يا رب ، وهو منكس رأسه حياء وتوقعا لما ينزل به من العذاب ، ورجاء فيما وعده الله من المغفرة ، فكان إذا خاف نكس رأسه ، وإذا طمع ورجا رفعه ، فيقول الله تعالى : قد عوضتك عن ذلك كذا وكذا من القصور والولدان ، فيقول : رضيت يا رب. ثم يقول لداود : اذهب قد غفرت لك.
وكذا شأنه سبحانه وتعالى مع من أكرمه ، يعطى عنه من سعة رفده وعظيم عفوه ، ثم يقول له : ارجع إلى منبرك واقرأ بما بقي من الزبور! فيفعل حينئذ ، فيؤمر ببني إسرائيل أن ينقسموا قسمين : قسم مع المؤمنين ، وقسم مع المجرمين. ثم ينادي المنادي : أين عيسى ابن مريم؟ فيؤتى به فيقول له : أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ فيحمد ما شاء الله ، ويثني عليه كثيرا ، ثم يعطف على نفسه بالذم والاحتقار ويقول (سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١١٦]. فيضحك الله تعالى ويقول (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩]. صدقت يا عيسى ارجع إلى منبرك واتل الإنجيل الذي بلغك جبريل! فيقول : نعم ، ثم يقرأ فتشخص إليه الرؤوس من حسن ترديده وترجيعه ، فإنه أحكم الناس به رواية ، فيأتي به غضا طريا حتى يظن الرهبان أنهم ما علموا منه آية قط. ثم ينقسم النصارى فرقتين : المجرمون مع المجرمين ، والمؤمنون مع المؤمنين. ثم يخرج النداء : أين محمد؟ فيؤتى به صلىاللهعليهوسلم فيقول له : يا محمد هذا جبريل يزعم أنه بلغك القرآن ، فيقول : نعم يا رب ، فيقال له : ارجع إلى منبرك واقرأ! فيتلو صلىاللهعليهوسلم القرآن فيأتي به غضا طريا عليه حلاوة يستبشر بها المتقون ، وإذا وجوههم ضاحكة مستبشرة ، والمجرمون وجوههم مغبرة. ويستدل على السؤال المتقدم للرسل والأمم بقوله تعالى (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٦]. وقيل بقوله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ