التكفير في كل ما يخالف مذهبه.
٥ ـ وأما السياسيات : فجميع كلامهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة بالأمور الدنيوية والإيالة السلطانية ، وإنما أخذوها من كتب الله المنزلة على الأنبياء ، ومن الحكم المأثور عن سلف الأنبياء.
٦ ـ وإما الخلقية : فجميع كلامهم فيها يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقها ، وذكر أجناسها وأنواعها ، وكيفية معالجتها ؛ ومجاهدتها ؛ وإنما أخذوها من كلام الصوفية ، وهم المتألهون المثابرون على ذكر الله تعالى وعلى مخالفة الهوى وسلوك الطريق إلى الله تعالى بالإعراض عن ملاذ الدنيا. وقد انكشف لهم في مجاهداتهم من أخلاق النفس وعيوبها وآفات أعمالها ما صرحوا بها ، فأخذها الفلاسفة ومزجوها بكلامهم ، توسلا بالتجمل بها إلى ترويج باطلهم. ولقد كان في عصرهم ، بل في كل عصر جماعة من المتألهين ، لا يخلي الله سبحانه العالم عنهم ، فإنهم أوتاد الأرض ، ببركاتهم تنزل الرحمة إلى أهل الأرض كما ورد في الخبر حيث قال عليهالسلام : «بهم تمطرون وبهم ترزقون ، ومنهم كان أصحاب الكهف».
وكانوا في سالف الأزمنة ، على ما نطق به القرآن ، فتولد من مزجهم كلام النبوة وكلام الصوفية بكتبهم آفتان : آفة في حق القابل ، وآفة في حق الراد.
١ ـ أما الآفة التي هي في حق الراد فعظيمة : إذ ظنت طائفة من الضعفاء أن ذلك الكلام إذا كان مدونا في كتبهم ، وممزوجا بباطلهم ، ينبغي أن يهجر ولا يذكر ، بل ينكر على كل من يذكره ؛ لأنهم إذ لم يسمعوه أولا إلا منهم ، فسبق إلى عقولهم الضعيفة أنه باطل ، لأن قائله مبطل ، كالذي يسمع من النصراني قول" لا إله إلا الله عيسى رسول الله" فينكره ويقول : " هذا كلام النصراني". ولا يتوقف ريثما يتأمل أن النصراني كافر باعتبار هذا القول ، أو باعتبار إنكاره نبوة محمد عليهالسلام! فإن لم يكن كافرا إلا باعتبار إنكاره ، فلا ينبغي أن يخالف في غير ما هو به كافر مما هو حق في نفسه ، وإن كان أيضا حقا عنده. وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال ، لا الرجال بالحق. والعاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال : " لا تعرف الحق بالرجال ، بل اعرف الحق تعرف أهله" والعاقل يعرف الحق ، ثم ينظر في نفس القول ، فإن كان حقا قبله ، سواء كان قائله مبطلا أو محقا ، بل ربما يحرص على انتزاع الحق من أقاويل أهل الضلال عالما بأن معدن الذهب الرغام. ولا بأس على الصراف إن أدخل يده في كيس القلاب وانتزع الإبريز الخالص من الزيف والبهرج ، مهما كان واثقا ببصيرته ؛ فإنما يزجر عن معاملة القلاب القروي دون الصير في البصير ؛ ويمنع من ساحل البحر الأخرق ، دون السباح الحاذق ؛ ويصد عن مس الحية الصبي ، دون المعزم البارع.
ولعمري! لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة وكمال العقل وتمام