الآلة في تمييز الحق عن الباطل ، والهدى عن الضلالة ، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالة ما أمكن ، إذ لا يسلمون عن الآفة الثانية التي سنذكرها أصلا ، وإن سلموا عن هذه الآفة التي ذكرناها.
ولقد اعترض على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا في أسرار علوم الدين طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم ، ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم ، وزعمت أن تلك الكلمات من كلام الأوائل ، مع أن بعضها من مولدات الخواطر ولا يبعد أن يقع الحافر على الحافر ، وبعضها يوجد في الكتب الشرعية ، وأكثرها موجود معناه في كتب الصوفية. وهب أنها لم توجد إلا في كتبهم ، فإذا كان ذلك الكلام معقولا في نفسه ، مؤيدا بالبرهان ، ولم يكن على مخالفة الكتاب والسنة ، فلم ينبغي أن يهجر ويترك؟ فلو فتحنا هذا الباب ، وتطرقنا إلى أن نهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل ، للزمنا أن نهجر كثيرا من الحق ، ولزمنا أن نهجر جملة آيات من آيات القرآن ، وأخبار الرسول وحكايات السلف ، وكلمات الحكماء والصوفية ، لأن صاحب كتاب" إخوان الصفا" أوردها في كتابه مستشهدا بها ، ومستدرجا قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطله ، ويتداعى ذلك إلى أن يستخرج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه في كتبهم. وأقل درجات العالم ، أن يتميز عن العامي الغمر ، فلا يعاف العسل ، وإن وجده في محجمة الحجام ، ويتحقق أن المحجمة لا تغير ذات العسل ، فإن نفرة الطبع منه مبنية على جهل عامي منشؤه أن المحجمة إنما صنعت للدم المستقذر ، فيظن أن الدم مستقذر لكونه في المحجمة ، ولا يدرى أنه مستقذر لصفة في ذاته ، فإذا عدمت هذه الصفة في العسل فكونه في ظرفه لا يكسبه تلك الصفة ، فلا ينبغي أن يوجب له الاستقذار. وهذا وهم باطل ، وهو غالب على أكثر الخلق. فمهما نسبت الكلام وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم قبلوه وإن كان باطلا ، وإن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حقّا. فأبدا يعرفون الرجال بالحق ، وهو غاية الضلال! هذه آفة الراد.
٢ ـ آفة القبول : فإن من نظر في كتبهم" كإخوان الصفا" وغيره ، فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية والكلمات الصوفية ، ربما استحسنها وقبلها ، وحسن اعتقاده فيها ، فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه وذلك نوع استدراج إلى الباطل.
ولأجل هذه الآفة يجب الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر. وكما يجب صون من لا يحسن السباحة عن مزالق الشطوط ، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب. وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيات ، يجب صون الأسماع عن مختلط تلك الكلمات. وكما يجب على المعزم أن لا يمس الحية بين يدي ولده الطفل ، إذا علم أنه سيقتدي به ويظن أنه مثله ، بل يجب عليه أن يحذره : بأن يحذر هو في نفسه ولا يمسها بين يديه ، فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله. وكما أن المعزم الحاذق إذا أخذ الحية وميز بين الترياق والسم ، فاستخرج منه الترياق وأبطل