الكاذب ، والشرع شاهد بالتفاصيل ، والعقل مزكي الشرع؟.
وإذا لم يكن بد من تصديق العقل لم يمكنك أن تتمارى في نفي الجهة عن الله ، ونفي الصورة. وإذا قيل لك" إن الأعمال توزن" علمت أن الأعمال عرض لا يوزن فلا بد من تأويل. وإذا سمعت" أن الموت يؤتى به في صورة كبش أملح فيذبح» علمت أنه مؤول ؛ إذ الموت عرض لا يؤتى به ، إذ الإتيان انتقال ولا يجوز على العرض. ولا يكون له صورة كصورة كبش أملح ؛ إذ الأعراض لا تنقلب أجساما. ولا يذبح الموت ؛ إذ الذبح فصل الرقبة عن البدن ، والموت ماله رقبة ولا بدن ، فإنه عرض أو عدم عند من يرى أنه عدم الحياة. فإذا لا بد من التأويل.
والوصية الثالثة : أن يكف عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات ، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ، ومراد رسوله صلىاللهعليهوسلم بالظن والتخمين خطر ، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظهار مراده ، فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات ويبطل الجميع إلا واحدا فيتعين الواحد بالبرهان.
ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير ، فمتى ينحصر ذلك فالتوقف في التأويل أسلم ؛ مثاله : إذا بان لك أن الأعمال لا توزن ، وورد الحديث بوزن الأعمال ، ومعك لفظ الوزن ، ولفظ العمل ، وأمكن أن المجاز لفظ العمل ، وقد كنى به عن صحيفة العمل التي هي محله حتى توزن صحائف الأعمال ، واحتمل أن يكون المجاز هو لفظ الوزن ، وقد كنى به عن ثمرته وهو تعريف مقدار العمل إذ هو فائدة الوزن ، والوزن والكيل أحد طرق التعريف ؛ فحكمك الآن بأن المؤول لفظ العمل دون الوزن ، أو الوزن دون العمل ، من غير استرواح فيه إلى عقل أو نقل حكم على الله وعلى مراده بالتخمين.
والتخمين والظن جهل ، وقد رخص فيه لضرورة العبادات والأعمال والتعبدات التي تدرك بالاجتهاد. وما لا يرتبط به عمل إنما هو من قبيل العلوم المجردة والاعتقادات ، فمن أين يتجاسر فيها على الحكم بالظن؟ وأكثر ما قيل في التأويلات ظنون وتخمينات ، والعقل فيه بين أن يحكم بالظن ، وبين أن يقول : أعلم أن ظاهره غير مراد ؛ إذ فيه تكذيب للعقل ، وأما عين المراد فلا أدري ولا حاجة إلى أن أدري ؛ إذ لا يتعلق به عمل ولا سبيل فيه إلى حقيقة الكشف واليقين ؛ ولست أرى أن أحكم بالتخمين.
وهذا أصوب وأسلم عند كل عاقل ، وأقرب إلى الأمن في القيامة ؛ إذ لا يبعد أن يسأل في القيامة ويطالب ويقال : حكمت علينا بالظن ، ولا يقال له لم لم تستنبط مرادنا الخفي الغامض الذي لم يؤمر فيه بعمل؟ وليس عليك فيه من الاعتقاد إلا الإيمان المطلق ، والتصديق المجمل ، وهو أن تقول : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [آل عمران : ٧]
فهذه المطالبة في القيامة بعيدة ، وإن كانت فالجواب عنها أسهل ؛ ولأجله قال الإمام مالك