الخنازير :
فمن منح الجهّال علما أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
فإن قلت : هذا لا شك فيه غير أن العلوم الإلهية يختلف فيها وقد كثرت فرق الإسلاميين فعلى رأي من أعول. فاعلم يا أخي أنك متى كنت ذاهبا إلى تعرف الحق بالرجال من غير أن تتكل على بصيرتك فقد ضل سعيك ، فإن العالم من الرجال إنما هو كالشمس أو كالسراج يعطي الضوء ، ثم انظر ببصرك فإن كنت أعمى فما يغني عنك السراج والشمس فمن عول على التقليد هلك هلاكا مطلقا.
فإن قلت : فكيف الخلاص فيه؟ فهذا الآن حديث يطول ويحتاج إلى إطناب وإسهاب ، وقد أعلمتك أني مشتغل مبدد لشمل النفس كليل الخاطر ، ولكن لتعلم أن الأوصاف الراجعة إلى الله تعالى تنقسم إلى ثلاثة أقسام : إما وصف يجب له ، وإما مستحيل عليه ، وإما جائز في حكمه فلا يتلقف أحد الجائزين بسبب إلا من جهة الرسول صلىاللهعليهوسلم فكل واجب ، أو مستحيل فخذه من جهة العقل.
فإن قلت : ذلك اطلب فمن أين آخذه وكيف أتوصل إليه؟ فأقول : سأبين لك منه مقدارا يليق بهذه العجالة.
فإن قلت : وكيف أصنع أيضا في فروع الأحكام وهي الأمور السياسية ، فقد اختلفت الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم؟ فأقول : فإذا الاشكال من جهة الخلاف في أصول الدين وفروعه ، وقد كشف العي في أصول الدين ووعدتك بالباقي ، وأما الخلاف في الفروع فلك فيه حيلتان : إحداهما أن تعرف أصول الفقه وأحكام الشريعة معرفة دون تقليل ، ثم تعمل بما علمته وتترك الناس جانبا خالفت أو وافقت فهذه حيلة وقد جعلت في ذلك كتابا سميته (برسالة الأقطاب) تختص بأصول الفقه خاصة على الطريق البرهاني ، فإن شئت فاحفظها واحفظ أحكام الحديث والسنة أو تكون عندك كتبها وذلك منحصر في ثلاثة أسفار : أما أحكام الحديث فقد جمعها الزبدوني وأحكمها الفرائض لإسماعيل القاضي وغيره ، وأحكمها الأحكام لأبي الحسن الطبري الملقب بشفاء العليل ، وبأصول الفقه تهتدي إلى ما غاب عنك. فإن تعذر هذا عليك فعليك بجملة ثانية وهو أن تنظر كل مختلف فتصير إلى الطرف الأكمل. مثال ذلك مذهب أبي حنيفة في التوضؤ بالنبيذ ، فاستعمل أنت مذهب مالك في تركه فهو أحوط ، وكذلك مذهب الشافعي في التوجيه والبسملة وقراءة أم القرآن في الصلاة فاستعمله فهو أحوط من مذهب مالك فيه ، فهاتان حيلتان لطريق الكمال. فإن عجزت عنهما فعليك بتقليد إمام واحد فاعمل على مذهبه ، فإحكام الظاهر يسير الخطب قد فهمت هذا وإنما المشكل علي هو أمر الأمور العقلية حتى أميز فيها الحق من الباطل ، فقد علمت من هذا طريق الخلاص في الفروع ، فاعلم أن الأمور التي تخوض فيها قوة المفكرة ترجع إلى أربعة أقسام : معقولات