ومحسوسات ومقبولات ومشهورات.
فأما المعقولات : فما لا يدرك إلا بالعقل على التجريد كعلمنا أن الضدين لا يجتمعان ، وأن الشيء لا يصح أن يكون متحركا ساكنا في حال واحدة وأن الواحد قبل الاثنين ، وأن الحادث له أول وأن ما كان مع الحوادث معية زمانية فهو حادث فكل ما لا تدريه إلا من جهة العقل.
وأما المحسوسات : فما تدريه من جهة الحواس الخمس كالفرق بين الألوان والفرق بين الطعوم وبين الملموسات ، والفرق بين المسموعات ، والفرق بين المشمومات ، والفرق بين المذوقات.
وأما المشهورات : فهي العادات الراجعة إلى عادات الخلق والبلاد والأمم والأزمنة ، كعادة الناس في اللباس والفرح والأغاني والأحاديث والسير الكريمة كترك الظلم وبر الوالدين وشكر المنعم والكف عن الجار والنصفة من الظالم وإفشاء السلام التي هي الآن متممات الأحكام الشرعية ، وهي من قبل الرسل تعقل. وقد كانت العرب وسائر الأمم السالفة كالهند وغيرهم يستنون بذلك. وعلى الجملة : لكل أمة ملك يحمي من الظلم وبذلك قوام العالم.
أما المقبولات : فما أخذ من طريق الأخبار وهو كل ما يخبر به العدل الثقة أو الثقات فمتى ورد عليك شيء من أي علم كان وفرع سمعك ، أو أورد عليك فانظر وسل من أي قبيل هو من هذه الأربعة أقسام. فأما العقليات فلا تتبدل أحكامها عما هي عليه في العقل. والمحسوسات لا تتبدل ولكن يتطرق إليها الغلط بآفات تحدث في الآلات الجسمانية.
وأما المقبولات والمشهورات ، فغير موثوق بها فإنها تختلف باختلاف الأمم والبلاد وحالات الأشخاص ، فألحق كل قبيل بقبيله وميزه من سواه فلا تغلط أبد الآباد ، فما قام عندك من دليل عقل أو حس على شيء وتصححت أجزاء حده وبرهانه وتبرهن لك البرهان على صحة تلك الأجزاء والبرهان تبرهن به على مطلوبك فهو برهان حق ، وما ورد عليك مما سوى ذلك فأنزله على مرتبته فلا تعد شيئا من حده ولا تجعل المقبول معقولا ولا المعقول مقبولا ولا المشهور محسوسا ولا المحسوس مشهورا. ثم انظر كيف مأخذ المقبول مثل أن القرآن معجزة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتعلم قطعا أن هذا القرآن مأخوذ عن نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الكائن بمكة صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك تعلم وجوده وسيرته المستفيضة.
وأما الأحكام ، فمآخذها مقبولة ولا يلزم أن تبرهن لنا لأن الخلق محتاجون إليها ، ولو أدركوا الأحكام بعقولهم لما كانت فائدة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإذا لم يكن في عقولهم استقلال بها أولا فكذلك آخرا إذا اتصلت بهم ، فلذلك لم يطلب أن يقوم على الأحكام برهان.
وهذا منتهى ما أردنا أن نشير به من المدخل إلى العلوم الإلهية وننبه به على الأسرار الروحانية فإن ساعد الدهر السليم ، والغريزة المعتدلة على إلحاق ما في معناه به كفي