وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) (١) أي والحال أن العقوبات قد مضت في الأمم من قبلهم كعقوبة الله لعاد وثمود وأصحاب الأيكة والمؤتفكات فما لهم يطالبون بها استبعادا لها واستخفافا بها أين ذهبت عقولهم؟ وقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ (٢) عَلى ظُلْمِهِمْ) وهو ظاهر مشاهد إذ لو كان يؤاخذ بالظلم لمجرد وقوعه فلم يغفر لأصحابه لما ترك على الأرض من دابة ، وقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) أي على من عصاه بعد أن أنذره وبين له ما يتقي فلم يتق ما يوجب له العذاب من الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (٧) (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ)! يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن قيل الكافرين بالتوحيد والبعث والنبوة : (لَوْ لا) أي هلا أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آية من ربه كعصا موسى وناقة صالح ، حتى نؤمن بنبوته ونصدق برسالته ، فيرد تعالى عليهم بقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) والمنذر المخوف من العذاب وليس لازما أن تنزل معه الآيات ، وعليه فلا تلتفت إلى ما يطالبون به من الآيات ، واستمر على دعوتك فإن لكل قوم (٣) هاديا وأنت هادي هذه الأمة ، وداعيها إلى ربها فادع واصبر.
وقوله تعالى في الآية الرابعة (٨) (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) (٤) أي من ذكر أو أنثى واحدا أو أثنين أبيض أو أسمر سعيدا أو شقيا ، وقوله : (وَما تَغِيضُ (٥) الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) أي ويعلم ما تغيض الأرحام من دماء الحيض (٦) وما تزداد منها إذ غيضها ينقص من مدة الحمل وازديادها يزيد في مدة الحمل فقد تبلغ السنة أو أكثر ، وقوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أي وكل شيء في حكمه وقضائه وتدبيره بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص في ذات ولا صفة
__________________
(١) (الْمَثُلاتُ) : جمع مثلة ، وهي العقوبة نحو : صدقة وصدقات ، وتضم الميم وتسكن الثاء مثلة كغرفة والجمع مثل كقرب وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالا تمثل بها العقوبات.
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنه هذه أرجى آية في كتاب الله ، قال سعيد بن المسيّب ، لمّا نزلت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لو لا عفو الله ورحمته وتجاوزه لما هنأ أحدا عيشه ولو لا عقابه ووعيده وعذابه لا تكل كل أحد).
(٣) هادي كل امة رسولها الذي بعث فيها وخلفاء الأنبياء وحواريوهم هداة يهدون من بعدهم والله يهدي من يشاء.
(٤) قال القرطبي : من ذكر أو أنثى : صبيح أو قبيح صالح أو طالح. وقوله : (كُلُّ أُنْثى) يفيد عموم كل أنثى في الإنسان والحيوان ، وهو كذلك.
(٥) العادة أنّ انحباس الحيض دال على العلوق أي : الحمل ، وفيضان الدم دال على عدم الحمل ، وتفسير الآية بهذا حسن ، فالله تعالى يعلم ما تغيض الأرحام من الدم ، لانشغال الرحم بالعلقة ثمّ بالجنين ، وما تزداد من الدم حتى يفيض عنها ، ويخرج ، وهو دم من لا حمل لها. وما في التفسير وجه وهذا الوجه أوضح.
(٦) استدل بالآية من قال : الحامل لا تحيض وهو أبو حنيفة. والجمهور على أنها تحيض كما استدل بها كل من قال : الحمل تزيد مدته إلى أربع سنوات ، وهو الجمهور ، وخالف الظاهرية في ذلك.