لأهلكهم ، وهو تعالى لا يريد أهلاكهم بل يريد هدايتهم ليهتدي على أيديهم خلقا كثيرا من العرب والعجم والأبيض والأصفر فسبحان الله العليم الحكيم وقوله تعالى (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) أي آية مبصرة أي مضيئة بينة فظلموا بها أي كذبوا بها فعقروها فظلموا بذلك أنفسهم وعرضوها لعذاب الإبادة فأبادهم الله فأخذتهم الصيحة وهم ظالمون هذا دليل على أن المانع من الإرسال بالآيات هو ما ذكر تعالى في هذه الآية وقوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (١) يخبر تعالى أنه ما يرسل الرسل مؤيدين بالآيات التي هي المعجزات والعبر والعظات إلا لتخويف الناس عاقبة الكفر والعصيان لعلهم يخافون فيؤمنون ويطيعون قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي اذكر يا محمد إذ قلنا لك بواسطة وحينا هذا إن ربك أحاط بالناس. فهم في قبضته وتحت قهره وسلطانه فلا ترهبهم ولا تخش منهم أحدا فإن الله ناصرك عليهم ، ومنزل نقمته بمن تمادى في الظلم والعناد ، وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) يريد رؤيا الإسراء والمعراج حيث أراه الله من آياته وعجائب صنعه وخلقه ، ما أراه (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) أي لأهل مكة اختبارا لهم هل يصدقون أو يكذبون ، إذ ليس لازما لتقرير نبوتك وإثبات رسالتك وفضلك أن نريك الملكوت الأعلى وما فيه من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة.
وقوله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة الزقوم وأنها (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) إلا فتنة كذلك لأهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة ذات طلع في وسط النار ، كيف لا تحرقها النار قياسا للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد ، وقوله تعالى (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالشجرة الملعونة وأنها (طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) وبغيرها من أنواع العذاب الدنيوي والأخروي ، وما يزيدهم ذلك إلا طغيانا كبيرا أي ارتفاعا وتكبرا عن قبول الحق والاستجابة له لما سبق في علم الله من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في دعوتك فإن العاقبة لك.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة الآلهة المدعاة لعابديها.
٢ ـ بيان حقيقة عقلية وهي أن دعاء الأولياء والاستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر
__________________
(١) في السياق ما يدل على أنّ هناك رغبة في المعجزات من الكافرين والمؤمنين ولذا ذكر تعالى علل عدم إعطائها لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، فالعلة الأولى تكذيب الأولين بها ودلل بتكذيب ثمود بها والثانية أنه ما يرسل بالمعجزات من أرسلهم بها إلا لعلة التخويف فقط والثالثة إعلامه تعالى رسوله بأن ربك محيط بعباده قادر عليهم فلا تخفهم ولا تطلب الآية لهم ، والرابعة : أن معجزة الإسراء والمعراج لم تكن للهداية وإنما هي للفتنة لا غير.