تصبح صعيدا جرزا. وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ (١) أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ (٢) كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي كتبت عليه ورقم أسماء أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٣) أي كان أعجب من آياتنا في خلق ومخلوقات ، السموات والأرض بل من مخلوقات الله ما هو أعجب بكثير. وقوله : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة ، أي اذكر للسائلين لك عن قصة هؤلاء الفتية ، إذ أووا إلى الغار في الكهف فنزلوا فيه ، واتخذوه مأوى لهم ومنزلا هروبا من قومهم الكفار أن يفتنوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي أعطنا من عندك رحمة تصحبنا في هجرتنا هذه للشرك والمشركين (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من ديار المشركين خوفا على ديننا (رَشَداً) (٤) أي سدادا وصلاحا ونجاة من أهل الكفر والباطل ، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف الذي ذكره الله في كتابه فقال بعضهم : كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم إلى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف وقوله تعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) أي فضربنا على آذانهم حجابا (٥) يمنعهم من سماع الأصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة أي ثلاثمائة وتسع سنين ، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره لهم من جنب إلى جنب حتى بعثهم من نومهم وهذا استجابة الله تعالى لهم إذ دعوه قائلين : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) وقوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أي من نومهم ورقادهم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا) أي في الكهف (أَمَداً) أي لنعلم علم مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين (٦) اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف كانت أحصى لمدة لبثهم في الكهف حيث اختلف الناس إلى حزبين حزب يقول لبثوا في كهفهم كذا سنة وآخر يقول لبثوا إلى مدى أي غاية كذا من السنين.
__________________
(١) (أَمْ) هذه هي المنقطعة التي تقدّر ببل والاستفهام للتعجيب.
(٢) ويجمع الرقيم على رقم ، والرقيم : فعيل بمعنى مفعول أي : مرقوم بمعنى مكتوب.
(٣) إنّ إماتة الأحياء أعجب من إماتة أصحاب الكهف.
(٤) الرشد : بفتحتين : الخير ، وإصابة الحق والنفع والصلاح أيضا.
(٥) أي : حائلا كغشاوة ونحوها مما يحول دون السمع ، ومعنى ضربنا ، جعلنا أو وضعنا كقوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) أي : جعلت وألصقت بهم.
(٦) يبعد أن يكون المراد بالحزبين : هم أصحاب الكهف أنفسهم بل الذين اختلفوا فيهم حزبان من الأمة التي اكتشفتهم بعد مضيّ سنين عديدة.