(وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) : لأنه غني عما سواه ولا شريك له.
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الكهف يخبر تعالى بأن الخائضين في شأن أصحاب الكهف سيقول بعضهم بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقول بعض آخرهم خمسة سادسهم كلبهم (١) (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي قذفا بالغيب من غير علم يقيني ، ويقول بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم ، ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لأصحابه تلك الأقوال : (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس قال ابن عباس أنا من ذلك القليل فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم ولعله فهم ذلك من سياق الآية إذ ذكر تعالى أن الفريقين الأول والثاني قالوا ما قالوه من باب الرجم بالغيب لا من باب العلم والمعرفة ، وسكت عن الفريق الثالث ، فدل ذلك على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم والله أعلم. وقوله تعالى : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) (٢) أي ولا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالا بينا لينا بذكرك ما قصصنا عليك دون تكذيب لهم ، ولا موافقة لهم. وقوله تعالى (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) (٣) أي في أصحاب الكهف (ثامِنُهُمْ) أي من أهل الكتاب (أَحَداً) وذلك لأنهم لا يعلمون عدتهم وإنما يقولون بالخرص والتخمين لا بالعلم واليقين. وقوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ (٤) إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي لا تقل يا محمد في شأن تريد فعله مستقبلا أي سأفعل كذا إلا أن تقول إن شاء الله (٥) ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم لما سأله وفد قريش بإيعاز من اليهود عن المسائل الثلاث : الروح ، وأصحاب الكهف وذي القرنين ، قال لسائليه : أجيبكم غدا انتظارا للوحي ولم يقل إن شاء الله ، فأدبه ربه تعالى بانقطاع الوحي عنه نصف شهر ، وأنزل هذه السورة وفيها هذا التأديب له صلىاللهعليهوسلم وقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي إذا نسيت الاستثناء الذي علمناك فاذكره ولو بعد حين لتخرج من الحرج.
أما الكفارة فلازمة إلا أن يكون الاستثناء متصلا بالكلام وقوله تعالى : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) أي وقل بعد النسيان والاستثناء المطلوب منك (عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ
__________________
(١) أصل الرجم هو الرجم بالحجارة ونحوها والمراد به هنا ، رمي الكلام من غير روّية ولا تثبّت ، والمراد أنّ ما قالوه في بيان عددهم هو من باب القول بالظن بدون علم.
(٢) المراد : بالظاهر هو الذي لا سبيل إلى انكاره ولا يطول الخوض فيه.
(٣) الاستفتاء : طلب الفتيا وهي الخبر عن أمر لا يعلمه إلّا ذوو العلم روي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم سأل بعض نصارى نجران فنهي عن ذلك.
(٤) لشيء أي : في شيء أو لأجل شيء.
(٥) أي : إلّا أن تذكر مشيئة الله تعالى.