(بِماءٍ كَالْمُهْلِ) : أي كعكر الزيت أي الدردي وهو ما يبقى في أسفل الإناء ثخنا رديئا.
(مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) : أي مارقّ من الديباج ، والاستبرق ما غلظ منه أي من الديباج.
معنى الآيات :
بعد نهاية الحديث عن أصحاب الكهف أمر تعالى رسوله بتلاوة كتابه فقال : (وَاتْلُ) (١) أي واقرأ (ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) تعبدا به ودعوة للناس إلى ربهم به وتعليما للمؤمنين بما جاء فيه من الهدى.
وقوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لا تتركن تلاوته والعمل به والدعوة إليه فتكون من الهالكين فإن ما وعد ربك به المعرضين عنه المكذبين به كائن حقا وواقع صدقا فإن ربك (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) المشتملة على وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه ممن كفروا به وكذبوا بكتابه فلم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه.
وقوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي انك إن لم تتل كتابه الذي أوحاه إليك وتعمل بما فيه فنالك ما أوعد به الكافرين المعرضين عن ذكره. (لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي موئلا تميل إليه وملجأ تحتمي به وإذا كان مثل هذا الوعيد الشديد يوجه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو المعصوم فغيره ممن تركوا تلاوة القرآن والعمل به فلا أقاموا حدوده ولا أحلوا حلاله ولا حرموا حرامه أولى بهذا الوعيد وهو حائق بهم لا محالة إن لم يتوبوا قبل موتهم وقوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) نزل هذا التوجيه للرسول صلىاللهعليهوسلم عند ما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلال وصهيب وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء المؤمنين (الَّذِينَ يَدْعُونَ) ربهم في صلاتهم في الصباح والمساء لا يريدون بصلاتهم وتسبيحهم ودعائهم عرضا من أعراض الدنيا وإنما يريدون رضا الله ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم.
وقوله تعالى : (وَلا تَعْدُ (٢)عَيْناكَ (٢) عَنْهُمْ) أي لا تتجاوز ببصرك هؤلاء المؤمنين الفقراء إلى أولئك الأغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله (وَلا تُطِعْ (٣) مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) فجعلناه غافلا
__________________
(١) تضمنت هذه الآية : (وَاتْلُ) الخ الرد على المشركين إذ المعنى : لا تعبأ بهم إن كرهوا تلاوة بعض القرآن لأن فيها التعريض بآلهتهم والتنديد بها حتى طالبوك بأن تجعل بعض القرآن للثناء عليها أو عليهم.
(٢) لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة.
(٣) روي أنها نزلت في أمية بن خلف الجمحي لأنه دعا النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أمر كرهه وهو إبعاد الفقراء وتقريب صناديد قريش.