(ما عَمِلُوا حاضِراً) : مثبتا في كتابهم ، مسجلا فيها.
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى مآل الحياة الدنيا وأنه الفناء والزوال ورغّب في الصالحات وثوابها المرجوا يوم القيامة ، ناسب ذكر نبذة عن يوم القيامة ، وهو يوم الجزاء على الكسب في الحياة الدنيا قال تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) أي اذكر (يَوْمَ نُسَيِّرُ) أي تقتلع (١) من أصولها وتصير هباء منبثا ، (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) ظاهرة ليس علهيا شيء فهي قاع صفصف (وَحَشَرْناهُمْ) أي جمعناهم من قبورهم للموقف (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ (٢) أَحَداً) أي لم نترك منهم أحدا كائنا من كان ، (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) أيها الرسول صفا وقوفا أذلاء ، وقيل لهم توبيخا وتقريعا : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ (٣) مَرَّةٍ) لا مال معكم ولا سلطان لكم بل حفاة عراة غرلا ، (٤) جمع أغرل ، وهو الذي لم يختتن.
وقوله تعالى : (بَلْ زَعَمْتُمْ) (٥) أي ادعيتم كذبا أنا لا نجمعكم ليوم القيامة ، ولن نجعل لكم موعدا فها أنتم مجموعون لدينا تنتظرون الحساب والجزاء ، وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما فيه ، وقوله تعالى في الآية (وَوُضِعَ الْكِتابُ) يخبر تعالى عن حال العرض عليه فقال : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) (٦) أي كتاب الحسنات والسيئات وأعطى كل واحد كتابه فالمؤمن يأخذه بيمينه والكافر بشماله ، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) في تلك الساعة (مُشْفِقِينَ) أي خائفين (مِمَّا فِيهِ) أي في الكتاب من السيآت (وَيَقُولُونَ : يا وَيْلَتَنا) (٧) ندما وتحسرا ينادون يا ويلتهم وهي هلاكهم قائلين :
__________________
(١) هذا على قراءة تسير بالتاء المضمومة للبناء للمفعول وقراءة الجمهور (نُسَيِّرُ الْجِبالَ) والفاعل هو الله تعالى ، وقرىء أيضا : تسير الجبال بفتح التاء مضارع سار يسير كقوله تعالى : (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً).
(٢) المغادرة الترك ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء ، وسمي الغدير من الماء غديرا لأنه ترك بعد السيل ، ومنه غدائر المرأة وهو شعرها تضفره وتتركه خلفها
(٣) أخرج الحافظ أبو القاسم بن مندة في كتاب التوحيد له عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (إن الله تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رقيع غير فظيع : يا عبادي أنا الله لا إله إلّا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون احضروا حجتكم ويسروا جوابكم فإنكم مسؤولون محاسبون يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أنامل أقدامهم للحساب) تضمن هذا الحديث تفسيرا كاملا لهذه الآيات.
(٤) روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا) «غير مختونين».
(٥) هذا الخطاب لمنكري البعث والجزاء من أهل الكفر والشرك.
(٦) (الْكِتابُ) : اسم جنس يشمل كل الكتب التي يعطاها العباد في المحشر.
(٧) الويلة : مؤنث الويل للمبالغة وهي سوء الحال والهلاك كما أنّث الدار على دارة للدلالة على سعة المكان ، ونداء الويلة معناه : الدعاء على أنفسهم بالهلاك لمشاهدتهم عظائم الأهوال وما ينتظرهم من صنوف العذاب نادوا ويلتهم طالبين حضورها.