طاعة الله ورسوله وولايتهما.
وقوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ (١) خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) يخبر تعالى بأنه المنفرد بالخلق والتدبير ليس له وزير معين فكيف يعبد الشيطان وذريته ، وأنا الذي خلقتهم وخلقت السموات والأرض (٢) وخلقت هؤلاء الذين يعبدون الشيطان ، ولم أكن (مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) وهم الشياطين من الجن والإنس الذين يضلون عبادنا عن طريقنا الموصل إلى رضانا وجنتنا ، أي لم أكن لأجعل منهم معينا لي يعضدني ويقوي أمري وخلاصة ما في الآية أن الله تعالى ينكر على الناس عبادة الشياطين وهي طاعتهم وهم مخلوقون وهو خالقهم وخالق كل شيء.
وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أي أذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين المعرضين عن عبادة الله إلى عبادة عدوه الشيطان ، أذكر لهم يوم يقال لهم في عرصات القيامة (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ) أشركتموهم في عبادتي زاعمين أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم فيخلصونكم من عذابنا.
قال تعالى (فَدَعَوْهُمْ) (٣) يا فلان!! يا فلان .. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) إذ لا يجرؤ أحد ممن عبد من دون الله أن يقول رب هؤلاء كانوا يعبدونني. قال تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ (٤) مَوْبِقاً) أي حاجزا وفاصلا من عداوتهم لبعضهم. وحتى لا يتصل بعضهم ببعض في عرصات القيامة. وقوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) أي يؤتى بها تجرّ بالسلاسل حتى تبرز لأهل الموقف فيشاهدونها وعندئذ يظن (٥) المجرمون أي يوقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) أي داخلون فيها. (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٦) أي مكانا ينصرفون إليه لأنهم محاطون بالزبانية ، والعياذ بالله من النار وعذابها.
__________________
(١) أي : ما أحضرتهم لأستعين بهم على خلق السموات والأرض ولا أحضرت بعضهم لأستعين به على خلق البعض الآخر.
(٢) في الآية رد على أهل الضلال كافة من شيطان وكاهن ومنجم وطبعيّ وملحد إذ الجميع مخلوق مربوب والله خالق كل شيء ومليكه وربّه ومدبّره.
(٣) أي : امتثلوا الأمر ودعوهم فلم يستجيبوا لهم.
(٤) فسّر الموبق ابن عباس رضي الله عنهما : بالحاجز ، وفسره أنس بن مالك رضي الله عنه بواد في جهنم من قيح ودم ، وفسّر بالمهلك والتفسير بالمهلك يدخل فيه كل ما ذكر ، ومن الجائز أن يتعدد الحاجز ويكون أنواعا منها : عداوة بعضهم لبعض فإنها حاجز والنار نفسها أعظم موبق ولعلها هي المراد بالموبق.
(٥) (فَظَنُّوا) أي : أيقنوا إذ يطلق الظن ويراد به اليقين وهو كثير في القرآن الكريم. قال الشاعر :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرد |
(٦) (مَصْرِفاً) : أي : مهربا لإحاطتها بهم من كل جانب ولا ملجأ ولا معدلا.