(ذلِكَ) : أي أولئك جزاؤهم جهنم وأطلق لفظ ذلك بدل أولئك ، لأنهم بكفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا غثاء كغثاء السيل لا خير فيه ولا وزن له فحسن أن يشار إليه بذلك.
معنى الآيات :
ينكر تعالى على المشركين شركهم ويوبخهم مقرعا لهم على ظنهم أن اتخاذهم (١) عباده من دونه أولياء يعبدونهم كالملائكة حيث عبدهم بعض العرب والمسيح حيث عبده النصارى ، والعزير حيث عبده بعض اليهود ، لا يغضبه تعالى ولا يعاقبهم عليه. وكيف لا يغضبه ولا يعاقبهم عليه وقد أعد جهنم للكافرين نزلا أي دار ضيافة لهم فيها طعامهم وفيها شرابهم وفيها فراشهم كما قال تعالى (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٠٢) وهي قوله تعالى (أَفَحَسِبَ (٢) الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ (٣). إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً). وقوله تعالى في الآية الثانية (١٠٣) يخبر تعالى بأسلوب الاستفهام للتشويق للخبر فيقول (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) أيها المؤمنون (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) إنهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ (٤) فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) أي عملا ، ويعرفهم فيقول (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) فلم يؤمنوا بها ، وبلقاء ربهم فلم يعملوا العمل الذي يرضيه عنهم ويسعدهم به وهو الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله لعباده المؤمنين به يتقربون به إليه. فلذلك حبطت أعمالهم لأنها شرك وكفر وشر وفساد ، (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٥) إذ لا قيمة لهم ولا لأعمالهم الشركية الفاسدة الباطلة فإن أحدهم لا يزن جناح بعوضة لخفته.
__________________
(١) قال ابن عباس رضي الله عنهما إنهم الشياطين. وهو صحيح إذ الشياطين هم الذين زينوا لهم عبادة الملائكة والأنبياء والأولياء والأصنام ودعوهم إلى عبادتهم.
(٢) قرىء : أفحسب بإسكان السين وضم الباء أي. أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟
(٣) جواب الاستفهام محذوف تقديره : كلا بل هم أعداء يتبرؤن منهم وجائز أن يكون : ولا أغضب ولا أعاقبهم ، وكلا المعنيين يراد.
(٤) يدخل في هذا كل من المشركين واليهود والنصارى والحرورية والمراءون بأعمالهم ، وكل من يعمل الأعمال ، وهو يظن أنه محسن وقد حبطت أعماله لفساد اعتقاده ولمراءاته أو لعمله بغير ما شرع الله كأنواع البدع المكفّرة.
(٥) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (إنّه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال : اقرأوا إن شئتم : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).