عَنْها حِوَلاً) أي ماكثين فيها أبدا لا يطلبون متحولا عنها إذ نعيمهما لا يمل وسعادتها لا تنقص ، وصفوها لا يكدر وسرورها لا ينغص بموت ولا بمرض ولا نصب ولا تعب جعلني الله ومن قال أمين من أهلها. آمين. وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ (١) مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) تضمنت هذه الآية ردا على اليهود الذين لما نزل قول الله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) في الرد عليهم لما سألوا عن الروح بواسطة وفد قريش إليهم. فقالوا : أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل الله تعالى قل لو كان البحر مدادا الآية ردا عليهم وإبطالا لمزاعمهم فأعلمهم وأعلم كل من يدعي العلم الذي مافوقه علم بأنه لو كان ماء البحر مدادا وكان كل غصن وعود في أشجار الدنيا كلها قلما ، وكتب بهما لنفد ماء البحر وأغصان الشجر ولم تنفد كلمات ربي التي تحمل العلوم والمعارف الإلهية وتدل عليها وتهدي إليها فسبحان الله وبحمده ، سبحانه الله العظيم سبحان الله الذي انتهى إليه علم كل شيء وهو على كل شيء قدير. وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ (٢) مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). يأمر تعالى رسوله بأن يقول للمشركين الذين يطلبون منه المعجزات كالتي أوتى موسى وعيسى : إنما أنا بشر مثلكم لا أقدر على ما لا تقدرون عليه أنتم ، والفرق بيننا هو أنه يوحى إلي الأمر من ربي وأنتم لا يوحى إليكم يوحى إلي أنما إلهكم أي معبودكم الحق وربكم الصدق هو إله واحد الله ربكم ورب آبائكم الأولين. وقوله (فَمَنْ (٣) كانَ يَرْجُوا) (٤) أي يأمل وينتظر (لِقاءَ رَبِّهِ) خوفا منه وطمعا فيه (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) وهو مؤمن موقن ، (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ (٥) رَبِّهِ أَحَداً) فإن الشرك محبط للعمل مبطل له ، وبهذا يكون رجاءه صادقا وانتظاره صالحا صائبا.
__________________
(١) المداد في أوّل الآية والمداد في آخرها بمعنى واحد واشتقاقها لا يختلف.
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنهما علّم الله تعالى رسوله التواضع لئلا يزهى على خلقه فأمره أن يقرّ على نفسه بأنّه آدميّ كغيره إلّا أنه أكرم بالوحي.
(٣) روي في سبب نزول هذه الآية ما يلي : أتى جندب بن زهير الغامدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني أعمل لله تعالى فإذا اطلع عليه سرّني فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الله طيّب لا يقبل إلا طيّبا ولا يقبل ما روئي فيه. فنزلت هذه الآية.
(٤) فسر (يَرْجُوا) بمعنى : يأمل وبمعنى يخاف وكلاهما مطلوب الخوف من الله ومن عذاب الآخرة ، والأمل في فضل الله وإحسانه وثوابه في الدنيا والآخرة.
(٥) فسّر سعيد بن جبير رحمهالله (وَلا يُشْرِكْ) بأن لا يرائي. وهو صحيح ولفظ الشرك أعم من الرياء.