ولا ينبغي : أي لا يصلح ولا يليق به ذلك لأنه رب كل شيء ومليكه.
(إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) : أي خاضعا منقادا كائنا من كان.
(فَرْداً) : أي ليس معه شيء لا مال ولا سلطان ولا ناصر.
معنى الآيات :
ما زال السياق في ذكر مقولات أهل الشرك والجهل والرد عليها من قبل الحق تبارك وتعالى قال تعالى مخبرا عنهم : (وَقالُوا) أي أولئك الكافرون (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) (١) إذ قالت بعض القبائل العربية الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله. يقول تعالى لهم بعد أن ذكر قولهم (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) (٢) أي أتيتم بشيء منكر عظيم ، (٣) (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) أي يتشققن منه لقبح هذا القول وسوئه ، (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ (٤) هَدًّا) أي تسقط لعظم هذا القول لأنه مغضب للجبار عزوجل ولو لا حلمه ورحمته لمس الكون كله عذاب أليم. وقوله : (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٥) أي أن نسبوا للرحمن ولدا ، (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ) أي لا يصلح له ولا يليق بجلاله وكماله الولد ، لأن الولد نتيجة شهوة بهيمية عارمة تدفع الذكر إلى اتيان الأنثى فيكون بإذن الله الولد ، والله عزوجل منزه عن مشابهته لمخلوقاته وكيف يشبههم وهو خالقهم وموجدهم من العدم؟
وقوله تعالى (إِنْ كُلُ (٦) مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) هذا برهان على بطلان قولة الكافرين الجاهلين ، إذ الذى ما من أحد في السموات أو في الأرض من ملائكة
__________________
(١) قرىء : ولدا بضم الواو وسكون اللام ، وقراءة الجمهور (وَلَداً) بفتح الواو واللام وهما لغتان مثل : العرب والعرب.
والعجم والعجم قال الشاعر :
ولقد رأيت معاشرا |
|
قد ثمّروا مالا وولدا |
وقال آخر :
مهلا فداء لك الأقوام كلهم |
|
وما أثمر من مال ومن ولد |
ففي البيت الأول شاهد ولد بسكون اللام وفي الثاني شاهد لفتحها مع ضم الواو في الأول وفتحا في الثاني.
(٢) الإد والإدة : الداهية والأمر الفظيع. قال ابن عباس : الإدّ : المنكر العظيم.
(٣) (تَكادُ) بالتاء قراءة العامة ، وقرأ نافع بالياء يكاد.
(٤) الهدّ : الهدم بصوت شديد ، والهدّة : صوت وقع الحائط ونحوه.
(٥) روى البخاري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قوله : (يقول الله تبارك وتعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأمّا شتمه إيّاي : فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
(٦) (إِنْ) نافية بمعنى ما. في الآية دليل على عدم جواز ملك الوالد للولد ولا الولد للوالد ، وفي الحديث الصحيح : (لا .. ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه). فإذا لم يملك الأب ابنه فلأن لا يملك الابن أباه من باب أولى.