رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) فلا معنى لما يقوله المبطلون : (١) لم يتخذ محمد أزواجا ولم تكون له ذرية؟ وهو يقول أنه نبي الله ورسوله ، فإن الرسل قبلك من نوح وإبراهيم إلى موسى وداوود وسليمان الكل كان لهم أزواج وذرية ، (٢) ولما قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) رد الله تعالى عليهم بقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فالرسل كلهم مربوبون لله مقهورون لا يملكون مع الله شيئا فهو المالك المتصرف إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي لكل وقت محدد يعطي الله تعالى فيه أو يمنع كتاب كتب فيه ذلك الأجل وعيّن فلا فوضى ولا أنف (٣) ، وقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ردّ على قولهم لم يثبت الشيء ثم يبطله كاستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وكالعدة من الحول إلى أربعة أشهر وعشرة أيام فأعلمهم أن الله تعالى ذو إرادة ومشيئة لا تخضعان لإرادة الناس ومشيئاتهم فهو تعالى يمحو ما يشاء من الشرائع والأحكام بحسب حاجة عباده ويثبت كذلك ما هو صالح لهم نافع ، (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٤) أي الذي حوى كل المقادير فلا يدخله تبديل ولا تغيير كالموت والحياة والسعادة والشقاء ، وفي الحديث : «رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه مسلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة الوحي والنبوة.
٢ ـ تقرير عقيدة التوحيد.
٣ ـ تقرير أن القضاء والحكم في الإسلام مصدره الأول القرآن الكريم ثم السنة لبيانها للقرآن ، ثم القياس المأذون فيه فإجماع الأمة لاستحالة اجتماعها على غير ما يحب الله
__________________
(١) قيل : إنّ اليهود هم الذين عابوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الأزواج وعيروه بذلك فقالوا ما نرى لهذا الرجل همة إلّا النساء والنكاح ، ولو كان نبيّا لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعليه فالآية مدنية.
(٢) في الآية : الترغيب في النكاح والحض عليه ، وهو كذلك فقد جاء في السنة قوله صلىاللهعليهوسلم : (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وفي الموطأ : (من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة : ما بين لحييه وما بين رجليه).
(٣) أي : ولا بداء ، والبداء : أن يبدو له الشيء بعد أن لم يكن يعلمه.
(٤) صح قوله صلىاللهعليهوسلم : (من سرّه أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أجله فليصل رحمه) فهذا الحديث يفسر قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) أي : ما يشاء ، وقد تكلّم العلماء في هذا بشيء كثير وما أراه يوضح هذا هو أنّ الله تعالى لما كتب في اللوح المحفوظ كتب أنّ فلانا يصل رحمه فيكون رزقه كذا سعة ويكون أجله كذا طولا ، فصلة الرحم سبب في توسعة الرزق وطول العمر.