قوله تعالى : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ (١) بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي إن أريتك بعض الذي نعد قومك من العذاب فذاك ، وإن توفيتك قبل ذلك فليس عليك إلا البلاغ (٢) فقد بلغت وعلينا الحساب فسوف نجزيهم بما كانوا يكسبون ، فلا تأس أيها الرسول ولا تضق ذرعا بما يمكرون ، وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي المشركون الجاحدون الماكرون المطالبون بالآيات على صدق نبوة نبينا (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) (٣) أي نفتحها للإسلام بلدا بعد بلد أليس ذلك آية دالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وصحة دعوته ، وقوله : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أي والله جل جلاله يحكم في خلقه بما يشاء فيعز ويذل ويعطي ويمنع وينصر ويهزم ، ولا معقب لحكمه أي ليس هناك من يعقب على حكمه فيبطله فإذا حكم بظهور الإسلام وإدبار الكفر فمن يرد ذلك على الله ، وقوله : (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) إذا حاسب على كسب فحسابه سريع يجزي الكاسب بما يستحق دون بطء ولا تراخ وقوله تعالى : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وقد مكرت أقوام قبل قريش وكفار مكة فكيف كان عاقبة مكرهم؟ إنها دمارهم أجمعين ، أما يخشى رؤساء الكفر في مكة من عاقبة كهذه؟ وقوله : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي إذا فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له فلا يرهب ولا يلتفت إليه وقوله : (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير وشر فأين مكر من لا يعلم من مكر من يعلم كل شىء فسوف يصل بالممكور به إلى حافة الهلاك وهو لا يشعر ، أفلا يعي هذا كفار قريش فيكفوا عن مكرهم برسول الله ودعوته؟ وقوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ (٤) عُقْبَى الدَّارِ) أي سيعلم المشركون خصوم التوحيد يوم القيامة لمن عقبى الدار أي العاقبة الحميدة لمن دخل الجنة وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وأتباعه أو لمن دخل النار وهم دعاة الشرك والكفر وأتباعهم ، وقوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) أي يواجهونك بالإنكار عليك والجحود لنبوتك ورسالتك قل لهم يا رسولنا الله شهيد بيني
__________________
(١) (ما) زائدة لتقوية الكلام والأصل وإن نرينك.
(٢) (الْبَلاغُ) : التبليغ و (الْحِسابُ) : الجزاء والعقوبة.
(٣) فسّر بعضهم الأطراف بالأشراف ، وقال : المراد موت العلماء ، وهو تفسير بعيد جدا ، وما في التفسير أقرب وأوضح إلى معنى الآية الكريمة ، ورد قول من قال هو نقصان الأرض بقول أحدهم لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك أي : مكان قضاء حاجتك.
(٤) قرأ نافع الكافر : بالافراد ، وهو اسم جنس بمعنى الجمع ، وقرأ الجمهور (الْكُفَّارُ) ، وقيل المراد بالكافر هنا : أبو جهل ، والله أعلم ، وفي الآية وعيد وتهديد للكفار مطلقا.