أهلك المكذبين من قبلهم.
وقوله تعالى في الآية الثانية (١٣٤) (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ (١) بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل ارسالنا محمد وانزالنا الكتاب عليه لقالوا للرب تعالى إذا وقفوا بين يديه : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) فيما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان والعمل الصالح وذلك من قبل أن نذل هذا الذل ونخزى هذا الخزي في نار جهنم. فإن كان هذا قولهم لا محالة فلم لا يؤمنون ويتبعون آيات الله فيعملون بما جاء فيها من الهدى قبل حلول العذاب بهم؟ وفي الآية الأخيرة قال تعالى لرسوله بعد هذا الإرشاد الذي أرشدهم إليه (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) (٢) أي كل منا متربص أي منتظر ما يؤول إليه الأمر (فَتَرَبَّصُوا) ، فستعلمون في نهاية الأمر وعند ما توقفون في عرصات القيامة (مَنْ) هم (أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) (٣) الذي لا اعوجاج فيه وهو الإسلام الدين الحق ، (وَمَنِ اهْتَدى) إلى سبيل النجاة والسعادة ممن ضل ذلك فخسر وهلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ المطالبة بالآيات سنة متبعة للأمم والشعوب عند ما تعرض عن الحق وتتنكر للعقل وهدايته.
٢ ـ الذلة والخزي تصيب أهل النار يوم القيامة لما فرطوا فيه من الإيمان والعمل الصالح.
٣ ـ في الآية إشادة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه : «يحتج به على الله يوم القيامة ثلاثة : الهالك في الفترة ، والمغلوب على عقله ، والصبي الصغير ، فيقول المغلوب على عقله لم تجعل لي عقلا انتفع به ، ويقول الهالك في الفترة لم يأتني رسول ولا نبي ولو أتاني لك رسول أو نبي لكنت أطوع خلقك إليك ، وقرأ صلىاللهعليهوسلم (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ويقول الصبي الصغير كنت صغيرا لا أعقل. قال فترفع لهم نار ويقال لهم : ردوها قال فيردها من كان في علم الله أنه سعيد ، ويتلكأ عنها من كان في علم الله أنه شقي فيقول إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم». رواه ابن جرير عند تفسير هذه الآية (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً).
__________________
(١) هذه الآية دليل على أنّ الإيمان بوحدانية الله تعالى مما يقتضيه العقل وتوجبه الفطرة لو لا حجب الضلالات وإغواء الشياطين للناس.
(٢) هذا جواب عن قولهم : (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وما بينهما اعتراض والتربّص : الانتظار.
(٣) بمعنى المستوي وهو مأخوذ من التسوية.