أي التكسير والتحطيم (يا إِبْراهِيمُ)؟ فأجابهم بما أخبر تعالى به عنه بقوله : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ (١) كَبِيرُهُمْ هذا) يشير بأصبعه إلى كبير الآلهة تورية ، (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) تقريعا لهم وتوبيخا وهنا رجعوا الى أنفسهم باللائمة فقالوا : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) أي حيث تألهون ما لا ينطق ولا يجيب ولا يدفع عن نفسه فكيف عن غيره ، وقوله تعالى : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) (٢) أي قلبهم الله رأسا على عقب فبعد أن عرفوا الحق ولاموا على أنفسهم عادوا إلى الجدال بالباطل فقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ) أي يا إبراهيم ما (هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) فكيف تطلب منا أن نسألهم وأنت تعلم أنهم لا ينطقون. كما أن اعترافهم بعدم نطق الآلهة المدعاة إنتكاس منهم إذ اعترفوا ببطلان تلك الآلهة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ الظلم معروف لدى البشر كلهم ومنكر بينهم ولو لا ظلمة النفوس لما أقروه بينهم.
٢ ـ إقامة البيّنة على الدعاوي أمر مقرر في عرف الناس وجاءت به الشرائع من قبل.
٣ ـ أسلوب المحاكمة يعتمد على الاستنطاق والاستجواب أولا.
٤ ـ مشروعية التورية خشية القول بالكذب (٣).
(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
__________________
(١) قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) قاله من أجل أن يقولوا : إنهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرّون فيقول لهم : فلم تعبدونهم إذا؟! فتقوم له الحجة عليهم من أنفسهم ولذا يجوز فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه فإنه أقطع للشبهة وأقرب في الحجة.
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أدركهم الشقاء فعادوا إلى كفرهم.
(٣) الكذب : هو الاخبار بما يخالف الواقع ، والتورية : أن يقول أو يفعل شيئا ويوري بغيره تجنبا للكذب ، وفي الحديث الصحيح : (لم يكذب ابراهيم النبي في شيء قط إلا في ثلاث : قوله : إني سقيم ، وقوله لسارة : أختى ، وقوله : بل فعله كبيرهم) وهي في الواقع معاريض وليست بالكذب الصريح ، وكانت في ذات الله تعالى.