القيامة يدخلها بجمسه وروحه وقوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي ، (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، وأنت منهم والله ما ظلمك بل ظلمت نفسك ، والله متنزه عن الظلم لكمال قدرته وغناه وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ (١) مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) (٢) أي على شك هذه شخصية ثالثة عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض الاعراب كانوا يدخلون في الإسلام لا عن علم واقتناع بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى الإسلام وسكنت نفوسهم واستمروا عليه ، وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن الإسلام ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والآخرة فلا الدنيا حصلوا عليها ولا الآخرة فازوا فيها ، قال تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي البين الواضح إذ لو بقوا على الإسلام لفازوا بالآخرة ، ولأخلف الله عليهم ما فقدوه من مال أو نفس ، وقوله تعالى (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا (ما لا يَضُرُّهُ) أي صنا لا يضره لو ترك عبادته (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن عبده وقوله تعالى : (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أي دعاء وعبادة ما لا يضر ولا ينفع ضلال عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيد أيضا قد لا يرجع صاحبه ولا يهتدي. وقوله : (يَدْعُوا (٣) لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أي يدعو ذلك المرتد عن التوحيد إلى الشرك من ضره يوم القيامة أقرب من نفعه فقد يتبرأ منه ويحشر معه في جهنم ليكونا معا وقودا لها. قال تعالى : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ (٤) الْعَشِيرُ) المعاشر والصاحب الملازم فذم تعالى وقبح ما كان المشركون يؤملون فيهم ويرجون شفاعتهم (٥) يوم القيامة ،
__________________
(١) هذه الآية نزلت بالمدينة النبوية فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال : هذا دين صالح ، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء.
(٢) حرف كل شيء : طرفه وجانبه والآية تمثيل لحال المتردد في عمله.
(٣) أي : في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار ولم ير منه نفعا أصلا وإنما قال : (ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ترفيعا للكلام نحو : (إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ومعنى الكلام : القسم والتأخير أي : يدعو والله من ضرّه أقرب من نفعه ، والمدعو هو الوثن الذي عبده من دون الله تعالى.
(٤) هذه الجمل تحمل الذم والتقبيح للأصنام التي يدعوها المشركون فإنها شر الموالي وشر العشير ، لأن شأن الولي جلب النفع لمولاه وشأن العشير جلب الخير لعشيره فإذا كان العكس كانا شر الموالي والعشراء.
(٥) قال تعالى من سورة يونس : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) ، وقالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وهذا منهم على فرض إن بعثوا أحياء يوم القيامة أو يرجون شفاعتهم في الدنيا.