معنى الآيات :
ما زال السياق في ذكر نعمه (١) تعالى على الإنسان لعل هذا الإنسان يذكر فيشكر فقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ (٢) طَرائِقَ) أي سموات سماء فوق سماء أي طريقة فوق طريقة وطبقا فوق طبق وقوله تعالى : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) أي ولم نكن غافلين عن خلقنا وبذلك انتظم الكون والحياة ، وإلا لخرب كل شىء وفسد وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) هو ماء المطر أي بكميات على قدر الحاجة وقوله (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ (٣) وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ) أي أوجدنا لكم به بساتين من نخيل وأعناب (لَكُمْ فِيها) أي في تلك البساتين (٤) (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي ومن تلك الفواكه تأكلون وذكر النخيل والعنب دون غيرهما لوجودهما بين العرب فهم يعرفونهما أكثر من غيرهما فالنخيل بالمدينة والعنب بالطائف.
وقوله : (وَشَجَرَةً (٥) تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) أي وأنبت لكم به شجرة الزيتون وهي (تَنْبُتُ) (٦) (بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) فبزيتها يدهن ويؤتدم فتصبغ اللقمة به وتؤكل. وقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) فتأملوها في خلقها وحياتها ومنافعها تعبرون بها إلى الإيمان والتوحيد والطاعة. وقوله : (٧) (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) من ألبان تخرج من بين فرث ودم ، وقوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) كصوفها ووبرها ولبنها وأكل لحومها. وقوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) وعلى بعضها كالإبل تحملون في البر وعلى السفن في البحر. أفلا تشكرون لله هذه النعم فتذكروه وتشكروه أليست هذه النعم موجبة لشكر المنعم بها فيعبد ويوحد في عبادته؟.
__________________
(١) وفي ذكر أدلة التوحيد إذ تقدم الاستدلال على التوحيد بخلق الإنسان وهذا استدلال بخلق العدالة العلوية.
(٢) الطرائق : جمع طريقة ، وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث فهل المراد بها هنا طرق الملائكة أو طرق سير الكواكب وهو سمتها وما تجري فيه أو هي السبع السموات ، ومعنى طرائق : أن بعضها فوق بعض من قولهم طارق بين ثوبين جعل أحدهما فوق الثاني ، ويكون المعنى طباقا وهذا هو الراجح. والله أعلم.
(٣) (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) منه ما هو ظاهر كماء الأودية ، والأنهار ، ومنه ما هو باطن ، وهو المياه الجوفية ، وإنّ الله تعالى على ذهابه من ظاهر الأرض كباطنها قدير ، ويومها تهلك البشرية ، وهذه الآية كقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).
(٤) جمع فاكهة وهي : ما يؤكل تفكّها بآكله أي : تلذّذا بطعمه من غير قصد القوت ، وما يؤكل لأجل الطعام يقال له : طعام ولا يقال له فاكهة.
(٥) (وَشَجَرَةً) : معطوفة على جنات أي : وأخرجنا لكم به شجرة.
(٦) الباء في (بِالدُّهْنِ) للمصاحبة نحو : خرج زيد بسلامة أي : مصحوبا بسلامة.
(٧) قرىء (نُسْقِيكُمْ) بضم النون من أسقاه ، وبفتحها من سقاه كذا.