(ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) : أي ما نوح إلا بشر مثلكم فكيف تطيعونه بقبول ما يدعوكم إليه.
(أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) : أي يسودكم ويصبح آمرا ناهيا بينكم.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) : أي لو شاء الله إرسال رسول لأنزل ملائكة رسلا.
(رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) : أي مصاب بمس من جنون.
(فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) : أي فلا تسمعوا له ولا تطيعوه وانتظروا به هلاكه أو شفاءه.
معنى الآيات :
هذا السياق بداية عدة قصص ذكرت على إثر قصة بدأ خلق الإنسان الأول آدم عليهالسلام فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) (١) أي قبلك يا رسولنا فكذبوه. كما كذبك قومك وإليك قصته إذ قال يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في العبادة ، ولا تعبدوا معه غيره (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) (٢) أي إذ ليس لكم من إله غيره يستحق عبادتكم. وقوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي أتعبدون معه غيره أفلا تخافون غضبه عليكم ثم عقابه لكم؟.
فأجابه قومه المشركون بما أخبر تعالى به عنهم في قوله : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي فرد عليه قوله أشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم من أغنياء وأعيان ممن كفروا من قومه ما هذا أي نوح (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أي يسود (٣) ويشرف فادعى أنه رسول الله إليكم. (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أي أن لا نعبد معه سواه (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) تخبرنا بذلك (ما سَمِعْنا بِهذا) أي بالذي جاء به نوح ودعا إليه من ترك عبادة آلهتنا (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي لم يقل به أحد من أجدادنا السابقين (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي ما نوح إلا رجل به مس من جنون ، وإلا لما قال هذا الذي يقول من تسفيهنا وتسفيه آبائنا (فَتَرَبَّصُوا (٤) بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي انتظروا به أجله حتى يموت ، ولا تتركوا دينكم لأجله وهنا وبعد قرون طويلة بلغت ألف سنة إلا خمسين شكا نوح إلى ربه وطلب النصر منه فقال ما أخبر تعالى به عنه (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي (٥) بِما كَذَّبُونِ) أي أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وانصرني عليهم.
__________________
(١) فوائد سرد القصص كثيرة منها : تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وحمله على الصبر مما يلقى من قومه ، ومنها : العظة والاعتبار بما جرى من أحداث ، ومنها تقرير التوحيد وإثبات النبوة المحمدية واللام في : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) موطئة للقسم أي : وعزّتنا لقد أرسلنا نوحا.
(٢) قرأ الجمهور بجرّ (إِلهٍ) ورفع (غَيْرُهُ) وقرأ بعضهم : بجر غيره لأنه نعت لإله المجرور بحرف الجر الزائد ورفع (غَيْرُهُ) هو على المحل إذ محل (إِلهٍ) الرفع وإنما منع منه حرف الجر الزائد.
(٣) قولهم : هذا ناتج عن نفسياتهم المتهالكة على حب الرئاسة والشرف الموهوم.
(٤) التربص : التوقف على عمل يراد عمله ، والتريث فيه لما قد يغني عنه.
(٥) (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) هذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأنها واقعة جوابا لسؤال مقدّر تقديره : لما كذب قومه ما ذا فعل؟ والجواب : دعا عليهم : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي).