معنى الآيات :
هذا ما قال هود (*) عليهالسلام بعد الذي ذكر تعالى من أقوال قومه الكافرين (قالَ رَبِ) أي يا رب (انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي بسبب تكذبيهم لي وردهم دعوتي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة غيرك فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) أي بعد قليل من الوقت وعزتنا وجلالنا ليصبحن نادمين أي ليصيرن نادمين على كفرهم بي وإشراكهم في عبادتي وتكذيبهم إياك ولم يمض إلا قليل زمن حتى أخذتهم الصيحة صيحة الهلاك ضمن ريح صرصر في أيام نحسات فإذا هم غثاء كغثاء السيل لا حياة فيهم ولا فائدة ترجى منهم (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي هلاكا للظالمين بالشرك والتكذيب والمعاصي وقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) (١) أي ثم أوجدنا بعد إهلاكنا عادا أهل قرون آخرين كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب. وقوله تعالى : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ (٢) أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أي ان كل أمة حكمنا بهلاكها لا يمكنها أن تسبق أجلها أي وقتها المحدود لها فتتقدمه كما لا يمكنها أن تتأخر عنه بحال.
وقوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) (٣) أي يتبع بعضها بعضا (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) أي في الهلاك فكلما كذبت أمة رسولها ورفضت التوبة إلى الله والإنابة إليه أهلكها ، وقوله تعالى (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) (٤) أي لمن بعدهم يذكرون أحوالهم ويروون أخبارهم (فَبُعْداً) أي هلاكا منا (لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في هذا تهديد قوي لقريش المصرة على الشرك والتكذيب والعناد. وقد مضت فيهم سنة الله فأهلك المجرمين منها.
__________________
(*) درج الجمهور من المفسرين على أن القصص المذكور هنا كما هو في سائر السور هو قصص هود عليهالسلام ، وذهب ابن جرير وبعض آخر إلى أنه قصة صالح لقرينة (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) وقال الجمهور : يمكن أن تكون الصيحة ضمن عواصف الريح العقيم التي أرسلها تعالى على عاد قوم هود فأخذتهم فهلكوا بها والرياح عصفت بهم فمزقت وشتتت شملهم وتركتهم كأعجار نخل خاوية ثم تفتتوا وصاروا كالغثاء وهذا الجمع أحسن.
(١) في الكلام حذف اقتضاه الإيجاز غير المخل وهو : فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم ثم أنشأنا.
(٢) من في قوله (مِنْ أُمَّةٍ) صلة زيدت لتقوية النفي وتوكيده ، والأصل ما تسبق أمّة.
(٣) (تترى) على وزن فعلى كدعوى وسلوى ، والألف فيه للتأنيث ، وأصله وترى من الوتر ، الذي هو الفرد أبدلت الواو تاء كما أبدلت في تراث من الورث ، وتجاه من الوجه ، ولا يقال : تترى إلا إذا كان هناك تعاقب وانقطاع ، وقرىء منونا تترى ، وهو منصوب على الحال في القراءتين معا.
(٤) جمع أحدوثة وهو ما يتحدّث به كأعاجيب جمع أعجوبة ، وهي ما يتعجّب منه ، ومثل هذا التعبير : أحاديث : لا يقال في الخير وإنما يقال في الشر لا غير لقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) وقد يقال في الخير إذا كان مقيّدا بذكره نحو قول ابن دريد :
إنما المرء حديث بعده |
|
فكن حديثا حسنا لمن وعى |