(جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) : أي رأى علاماته ورآه.
(بَرْزَخٌ) : أي حاجز يمنع وهو مدة الحياة الدنيا ، وإن عاد بالبعث فلا عمل يقبل.
معنى الآيات :
في هذا السياق تهديد للمشركين الذين لم ينتفعوا بتلك التوجيهات التي تقدمت في الآيات قبل هذه ، فأمر الله تعالى رسوله أن يدعوه ويضرع إليه إن هو أبقاه حتى يحين هلاك قومه ، أن لا يهلكه معهم فقال : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) (١) أي أن تريني (ما يُوعَدُونَ) أي من العذاب ، (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بل أخرجني منهم وأبعدني عنهم حتى لا أهلك معهم. وقوله تعالى : (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ (٢) ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) يخبر تعالى رسوله بأنه قادر على إنزال العذاب الذي وعد به المشركين إذا لم يتوبوا قبل حلوله بهم.
وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي (٣) هِيَ أَحْسَنُ) هذا قبل أمره بقتالهم : أمره بأن يدفع ما يقولونه له في الكفر والتكذيب بالخلّة والخصلة التي هي أحسن وذلك كالصفح والإعراض عنهم وعدم الإلتفات إليهم. وقوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) أي من قولهم لله شريك وله ولد ، وأنه ما أرسل محمدا رسولا ، وأنه لا بعث ولا حياة ولا نشور يوم القيامة وقوله : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ (٤) الشَّياطِينِ ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) لما علمه الاحتراز والتحصّن من المشركين بالصفح والإعراض أمره أن يتحصن من الشياطين بالإستعاذة بالله تعالى فأمره أن يقول (رَبِ) أي يا رب (أَعُوذُ (٥) بِكَ) أي استجير بك من همزات الشياطين أي وساوسهم حتى لا يفتنوني عن ديني وأعوذ بك أن يحضروا أمري فيفسدوه على.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) أي إذا حضر أحد أولئك المشركين الموت
__________________
(١) أصل (إِمَّا) : إن ما ، إن شرطية ، وما : صلة لتقوية الشرط ، وجواب الشرط فلا تجعلني مع القوم الظالمين ، علمه ربه هذا الدعاء ليدعو به. أي : إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني عنهم وأبعدني عنهم. وفي الآية تهديد عظيم للمشركين.
(٢) الجملة تحمل وعيدا آخر مؤكدا للأول الذي تضمنته جملة (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ).
(٣) هذا بالنسبة إلى الأمة فهو محكم باق ، وهو الصفح وعدم المؤاخذة فيما بينهم وأمّا بالنسبة للمشركين والكافرين ، فهو موادعة لهم لا غير إلى أن يؤمر بقتالهم ، وقد أمر به فيما بعد.
(٤) جمع همزة ، والهمز في اللغة النخس والدفع ، يقال : همزه ونخسه ودفعه ، قال الليث : الهمز : كلام من وراء القفا ، واللمز : مواجهة والشيطان يوسوس بوساوسه في صدر ابن آدم ، الهمس لغة : الكلام الخفي يقال : همس في أذنه بكذا : أسرّ به إليه.
(٥) هذا التعوذ ، وإن خوطب به الرسول صلىاللهعليهوسلم فهو لأمته معه معه بل هي أحوج منه إليه ، وهمزات الشيطان : هي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان بها نفسه وقد شكا خالد بن الوليد للنبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يؤرق من الليل فأمره أن يقول أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شرّ عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون.