وقوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ (١) مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) هذا وصف للسعير وهو أنها إذا رأت أهلها من ذوي الشرك والظلم والفساد من مكان بعيد تغيظت عليهم تغيظا وزفرت زفيرا مزعجا فيسمعونه فترتعد له فرائصهم. (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) مشدودة أيديهم إلى أعناقهم بالأصفاد (دَعَوْا هُنالِكَ) أي نادوا بأعلى أصواتهم يا ثبوراه أي يا هلاكاه أحضر فهذا وقت حضورك : فيقال لهم : خزيا وتبكيتا وتحسيرا : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) ، فهذا أوآن هلاككم وخزيكم وعذابكم وهنا يقول تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم (قُلْ) لأولئك المشركين المكذبين بالبعث والجزاء : (أَذلِكَ) أي المذكور من السعير والإلقاء فيها مقرونة الأيدي بالأعناق وهم يصرخون يدعون بالهلاك (خَيْرٌ أَمْ) (٢) (جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي التي وعد الله تعالى بها عباده الذين اتقوا عذابه بالإيمان به وبرسوله وبطاعة الله ورسوله قطعا جنة الخلد خير ولا مناسبة بينها وبين السعير ، وإنما هو التذكير لا غير وقوله : (كانَتْ لَهُمْ) أي جنة الخلد كانت لأهل الإيمان والتقوى (جَزاءً) أي ثوابا ، (وَمَصِيراً) يصيرون إليه لا يفارقونه وقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي فيها من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وقوله : (خالِدِينَ). أي فيها لا يموتون ولا يخرجون ، وقوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) أي تفضل ربك أيها الرسول بها فوعد بها عباده المتقين وعدا يسألونه إياه فينجزه لهم فهم يقولون : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) ، والملائكة تقول ربنا (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان أن مرد كفر الكافرين وظلم الظالمين وفساد المفسدين إلى تكذيبهم بالبعث والجزاء
__________________
(١) إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم فقد ورد مرفوعا أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا. قيل يا رسول الله ولها عينان؟ قال : أما سمعتم الله عزوجل يقول : إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول : وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر ، الحديث صححه ابن العربي في القبس.
(٢) إن قيل : كيف قال : (أَذلِكَ خَيْرٌ) ولا خير في النار؟ قيل : هذا من باب قول العرب : الشقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ وقد علم أنّ السعادة أحب إليه. قال حسان :
أتهجوه ولست له بكفىء |
|
فشركما لخيركما الفداء |
وقطعا الرسول صلىاللهعليهوسلم لا شرّ فيه البتة.