(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) : أي ما هم إلا كالأنعام في عدم الوعي والإدراك.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) يخبر تعالى رسوله عن أولئك (١) المشركين المكذبين بالبعث أنهم إذا رأوه في مجلس أو طريق ما يتخذونه إلا هزوا أي مهزوءا به احتقارا وازدراء له فيقولون فيما بينهم ، (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ (٢) رَسُولاً) وهو استفهام احتقار وازدراء لأنهم لا يعتقدون أنه رسول الله ويقولون (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) أي يصرفنا عن عبادة آلهتنا لو لا أن صبرنا وثبتنا على عبادتها. وهذا القول منهم ناتج عن ظلمة الكفر والتكذيب بالبعث وقوله تعالى (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) في الدنيا أو في الآخرة أي عند ما يعاينون العذاب يعرفون من كان أضل سبيلا هم أم الرسول والمؤمنون ، وفي هذا تهديد ووعيد بقرب عذابهم وقد حل بهم في بدر فذلوا وأسروا وقتلوا وتبين لهم أنهم أضل سبيلا من النبىّ وأصحابه. وقوله تعالى لرسوله وهو يسليه ويخفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته (أَرَأَيْتَ (٣) مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أخبرني عمن جعل معبوده هواه فلا يعبد غيره فكلما اشتهى شيئا فعله بلا عقل ولا روية ولا فكر فقد يكون لأحدهم حجر يعبده فإذا رأى حجرا أحسن منه عبده وترك الأول فهذا لم يعبد إلا هواه وشهوته فهل مثل هذا الإنسان الهابط إلى مستوى دون البهائم تقدر على هدايته يا رسولنا؟ (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) أي حفيظا تتولى هدايته أم أنك لا تقدر فاتركه لنا يمضي فيه حكمنا.
وقوله (أَمْ تَحْسَبُ) أيها الرسول أن أكثر هؤلاء المشركين يسمعون (٤) ما يقال لهم ويعقلون ما يطلب منهم إن هم إلا (٥) كالأنعام فقط بل هم أضل (٦) سبيلا من الأنعام إذ الأنعام
__________________
(١) جواب (إِذا رَأَوْكَ) قوله : (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً).
(٢) (رَسُولاً) منصوب على الحال ، والعائد محذوف تقديره ، بعثه الله حال كونه رسولا.
(٣) الاستفهام للتعجيب أي : عجب الله تعالى رسوله من حال المشركين أي : من إضمارهم الشرك وإصرارهم عليه مع إصرارهم أن الله تعالى خالقهم ورازقهم ثم يعمد أحدهم إلى حجر يعبده. قال ابن عباس : الهوى إنه يعبد من دون الله ثم تلا هذه الآية : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وقد كان الرجل منهم إذا هوى شيئا عبده حتى إنه ليعبد الحجر أيّاما ثم يرى غيره فيترك الأول ويعبد الثاني.
(٤) أي : سماع قبول أو يتفكرون فيما تقول فيعقلونه.
(٥) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأنها في جواب سؤال لأنّ ما تقدّمها في إنكار سمعهم يثير في النفس سؤالا عن نفي سماعهم وفهمهم فأجيب (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ).
(٦) هم أضل من الأنعام لأنّ البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك بخلاف هؤلاء المشركين.