(أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) : أي أتسجنني ولو جئتك ببرهان وحجة على رسالتي.
(فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) : أي فأت بهذا الشيء المبين إن كنت من الصادقين فيما تقول.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليهالسلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لما قال موسى (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) في أول الحوار قال فرعون مستفسرا في عناد ومكابرة (وَما رَبُ (١) الْعالَمِينَ)؟ أي أيّ شيء هو أو من أي جنس من أجناس المخلوقات فأجابه موسى بما أخبر تعالى به عنه (قالَ رَبُ (٢) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي خالق السموات والأرض وخالق ما بينهما. ومالك ذلك كله ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بأن كل مخلوق لا بد له من خالق خلقه ، وهو أمر لا تنكره العقول. وهنا قال فرعون في استخفاف وكبرياء لمن حوله من رجال دولته وأشراف قومه : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٣) كأن ما قاله موسى أمر عجب أو مستنكر فعرف موسى ذلك فقال (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الكل مربوب له خاضع لحكمه وتصرفه. وهوا اغتاظ فرعون فقال (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) أراد أن ينال من موسى لأنه أغاظه بقوله (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فرد موسى أيضا قائلا (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) أي رب الكون كله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي ما تخاطبون به ويقال لكم وفي هذا الجواب ما يتقطع له قلب فرعون فلذا رد بما أخبر به تعالى عنه في قوله (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي) أي ربا سواي (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) أي لأسجننك وأجعلك في قعر تحت الأرض مع المسجونين فرد موسى عليهالسلام قائلا (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ (٤) مُبِينٍ) أي أتسجنني ولو
__________________
(١) لما غلب فرعونه في جداله لموسى استفهم بقوله : (فما رب العالمين) وهو استفهام عن جنس ولم يستفهم عن ربّ العالمين تجاهلا منه ومكابرة فقال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) وكان المطلوب أن يقول : ومن ربّ العالمين؟ ولكنه العلو والتكبر.
(٢) لمّا علم موسى جهل فرعون وتجاهله أجابه بما يلقمه الحجر ويبطل دعواه في أنّ الربوبية تكون لبشر أو حجر فقال : (رَبُّ السَّماواتِ ...) الخ.
(٣) استفهم اللعين استفهام تعجّب وتهكم مستخفا بجواب موسى قائلا (أَلا تَسْتَمِعُونَ) أي إلى قول هذا الذي زعم إبطال عقيدتكم وعقيدة آبائكم ، ولذا أجاب موسى بتقرير جوابه الأوّل وهو مفحم مبطل لدعوى ربوبية فرعون.
(٤) في جواب موسى عليهالسلام هذا تلطّف بفرعون وطمع في إيمانه لما بهره به من الردود المحكمة والإجابات المفحمة.